فالتعويضات الممنوحة نظير أنشطة الطب الشرعي، في إطار نظام الأداءات والصوائر العدلية، تنصّ على مبلغ 100 درهم كمقابل عن كل عملية تشريح تجريها المستشفيات أو البلديات، وهو ما لا يغطي تكاليف البنيات وتهيئة المرافق ووسائل العمل. واقع جعل توصيات التقرير تتضمن التنصيص على ضرورة إمداد الطب الشرعي والخبرة الطبية بالتمويلات الكافية، وتعديل مسطرة الأداء عن كل خدمة مقدمة، «وذلك بتخصيص اعتماد مالي إجمالي سنوي متناسب مع حجم الأنشطة الطبية الشرعية المقدمة». كما أن الأشخاص الذين يقومون بعمليات التشريح، ليس لهم أي تكوين في هذا المجال، حيث لا يتوفّر المغرب سوى على 13 طبيبا متخصصا في الطب الشرعي، من بينهم طبيبان أستاذان للتعليم العالي مساعدان، وأستاذ واحد للتعليم العالي مبرّز. ولا يتوفّر المغرب سوى على وحدة استشفائية جامعية واحدة متخصصة في الطب الشرعي. تكوينات خاصة قال التقرير إنها قامت بتأطير حوالي 70 طبيبا ممن يعملون في مكاتب حفظ الصحة التابعة للبلديات، بالإضافة إلى 15 طبيبا تابعا للدرك الملكي متخصصا في مجال التشريح، فيما تم تكوين حوالي 300 طبيب من القطاعين العام والخاص، في مجال الخبرة الطبية. هؤلاء الذين يقومون بممارسة مهنة «خبير» معتمد لدى محاكم المملكة، لا يتلقّون بدورهم سوى 100 إلى 200 درهم كأتعاب مقابل الاستعانة بخبرتهم في إطار المساعدة القضائية. بل إن عددا من الأطباء المعتمدين كخبراء لدى محاكم المملكة، يعملون في الوقت نفسه كمستشارين لدى شركات التأمين، والتي غالبا ما تكون هي الخصم في دعاوى التعويض عن العجز والضرر، «وهو الأمر الذي يضرب في الصميم مبدأ الاستقلالية والحياد»، يقول تقرير مجلس حقوق الإنسان. الأطباء المسجلين في جداول الخبراء المقبولين لدى محاكم الاستئئناف، لا يتوفّرون بدورهم، حسب التقرير دائما، على أي تكوين مسبق في مجال الخبرة الطبية القضائية وتقييم الأضرار الجسدية. فيما يمنع قانون الوظيفة العمومية، أطباء القطاع العام من الحصول على صفة خبير معتمد لدى المحاكم، باعتبارها مهنة حرة، يمنع القانون الجمع بينها وبين الوظيفة العمومية. وضع جعل المجلس الوطني لحقوق الإنسان سقفا على حالات أحيلت فيها ملفات للخبرة الطبية على أطباء لا علاقة لهم بالتخصص المطلوب، حيث أوضح هشام بنيعيش، المتخصص في الطب الشرعي والمشرف على إعداد التقرير، أن المهمة سمحت بالوقوف على حالات كلّف فيها أطباء للأسنان بإجراء الخبرة على أضرار جسدية لا علاقة لهم بها. وحدات استقبال النساء والأطفال الموجودة داخل المستشفيات، غير بارزة الهوية ونادرا ما يتم وضع ما يشير إلى وجودها. بل إن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان قال إن هذه الوحدات لا تتوفر على أدوية لمنع الحمل بالنسبة لحالات الفتيات اللواتي تتعرّضن للاغتصاب، ولا على الأدوية الخاصة بالحالات المستعجلة والخاصة بعلاج التعفنات المنقولة جنسيا والوقاية منها.» ويبقى اللجوء إلى أخذ العينات الطبية الشرعية في حالات العنف الجنسي أمرا نادرا». أما الأطباء الذين يقومون بتشريح الجثث، فلا يقومون بهذه العملية، بناء على رهانات وغايات محددة تخدم التحقيق، «ولا يتم تأطير أو تقييم عملهم، ما ينجم عنه ضعف أدائهم في التحقيقات الجنائية». وأوضح هشام بنيعيش أن بعض المراكز تنجز عملية إلى ثلاث عمليات تشريح في اليوم، علما أن هذه المهمة تتطلب وقتا طويلا. التقرير الجديد أوصى بإحداث إطار مؤسساتي وطني خاص بنشاط الطب الشرعي، مع وضع إطار تشريعي وتنظيمي متكامل للأنشطة الطبية الشرعية