بالرغم من استخدام السلطات الإسرائيلية، أساليب تكنولوجية حديثة، وإجراءات أمنية مشددة، لمراقبة الأسرى الفلسطينيين في السجون، غير أنهم يبتكرون أساليب، بأدوات بسيطة، لشق الطريق نحو الحرية. فرار المعتقلين الستة، فجر الإثنين، من سجن جلبوع، شديد الإحكام (شمال)، عبر حفر نفق، من الزنزانة تسبب بصدمة واسعة في المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية، وفتح باب التكهنات، حول كيفية حفره. ويقول خبيران في شؤون الأسرى، عاشا تجربة الاعتقال لسنوات، إن "التوق للحرية يخلق حالة من الإبداع والابتكار لدى الأسرى، وخاصة المحكومين سنوات طويلة". ويرى الخبيران في أحاديث منفصلة مع وكالة الأناضول، أن حفر الأنفاق هو الأسلوب الأكثر شيوعا، لدى الأسرى، في محاولاتهم للفرار. ويستخدم الأسرى أدوات بدائية بسيطة، قد تكون ملعقة أو قطع حديدة صغيرة حصلوا عليها بطريقة ما لشق طريق الحرية. المعجزة ويقول مدير مركز "أحرار" لشؤون الأسرى (غير حكومي)، فؤاد الخُفّش، إن الحاجة للحرية، تخلق "حالة إبداع للمعتقل للتفكير بطرق جديدة لنيل الحرية، والصعب يصبح سهلا". ويضيف لوكالة الأناضول "الهروب من السجن يشغل تفكير كثير من المعتقلين، وخاصة المحكومين أحكاما عالية". وعلى مدار سنوات الاحتلال، نفذ الأسرى عديد عمليات الهروب منها ما تكلل بالنجاح، ومنها ما فشل. واستفاد المعتقلون الستة من تجارب سابقة بحسب "الخُفّش"، في حفر النفق بسجن "جلبوع". وقال "ما جرى في سجن جلبوع بالرغم من شح المعلومات التي صدرت عن مصلحة السجون الإسرائيلية، هو معجزة بمعنى الكلمة". وتابع "الأسرى الستة حفروا نفقا في أرضية من الإسمنت المسلح، ثم حفروا الصخر والتراب في سهل بيسان، هذا قد يستغرق عدة أشهر حتى سنة". الحفر بالملاعق نهارا الخفش، لم يستبعد أن يكون الأسرى قد حفروا النفق بملاعق الطعام. وأضاف "ربط ثلاثة ملاعق معا بطريقة ما يحولها إلى آلة صلبة تشبه إلى حد ما الإزميل (أداة حفر)". ومن الأدوات التي يتوقع استخدامها، الحصول على قطعة حديدية من داخل الغرفة بطريقة ما، أو استخدام الحديد بعد قصه من الأرضية ليتحول من أداة معيقة لأداة حفر وعنصر مساهم في العملية". عمليات الحفر والتي استغرقت وقتا طويلا، جرت في ساعات النهار، كما يتوقع الخُفّش. وقال "من غير الممكن أن يتم الحفر ليلا، لأن ذلك سيصدر صوتا وينبه إدارة السجن، العمليات جرت نهارا، وقد تكون في أوقات الفسحة (الفورة)، حيث يبقى أسيران أحدهما يحرس والآخر يحفر". وأضاف "الحفر نهارا هو الأرجح، فضجيج الأسرى والحركة يخفي صوت الحفر". وشهد الخُفّش خلال سنوات اعتقاله، عمليات حفر جدران السجن لإخفاء أجهزة هاتف محمولة، حصل عليها الأسرى للتواصل مع عائلاتهم بطريقة ما. وعن ذلك يقول "تلك عملية معقدة، تستخدم فيها أدوات بسيطة، لكن قد تأخذ نحو شهر كامل لحفر مكان ما في موقع ما من الغرفة لإخفاء الهاتف عن إدارة السجون، فما بالك بحفر نفق؟ الأمر معقد للغاية". وتابع "بالرغم من إمكانيات الاحتلال الكبيرة والمتطورة، لم تفلح في غالبية الأحيان في كشف مخبأ الهواتف". **انسداد الأفق عامل رئيسي لفرار الأسرى بدوره، يرى الخبير في شؤون الأسرى، المحرر عصمت منصور، أن انسداد الأفق السياسي، وفقدان الأمل في عقد صفقة تبادل للأسرى، على المدى القريب، يدفع المعتقلين إلى البحث عن طرق للفرار من السجون. ولفت منصور، والذي يعد واحدا من أبرز الخبراء في شؤون الأسرى، أن المعتقلين يبتدعون أساليب جديدة دوما لتحقيق إنجازات، ووسائل لكسر حواجز الاحتلال بالرغم من شح الإمكانيات، وتطور الأساليب الإسرائيلية في التضييق عليهم. وقال "الأسير المحكوم بالسجن مدى الحياة، أمام خيارين إما الهرب، أو الموت بالمرض داخل السجون". وتابع "مجرد تفكير الأسير بالهرب مكلف جدا، قد يذهب به إلى العزل في زنازين انفرادية لسنوات طويلة، وغيرها من العقوبات كالمعاملة الصعبة والتضييق". وبيّن أن الأسرى يستخدمون وسائل عديدة للفرار، وأبرزها حفر الأنفاق، مما دفع إسرائيل لبناء سجون أكثر تحصينا، كما هو الحال في سجن "جلبوع" ذي الأرضية الصلبة من الباطون المسلح، إلى جانب استخدام وسائل تكنولوجية لمراقبة الأسرى. وقال "لم يكن يتخيل أحد أن تتم عملية فرار أسرى من سجن جلبوع تحديدا، لكن الأسرى فعلوها، العملية خُطط لها جيدا، ونفذت بطريقة احترافية على ما يبدو". وعن الوسائل المتاحة للأسرى يقول منصور "الأسرى لا يتوفر لديهم سوى بعض الأدوات البسيطة، كالملاعق، أو قطع حديدية حصلوا عليها بطريقة ما، تُسن وتتحول لأداة للقطع والحفر والقص". وتابع "هي أدوات بسيطة للغاية وبدائية، لكن الهمة والعزيمة وروح العمل والصبر والتحمل التي يحملها الأسرى، تصنع المعجزات". وفي حالة "جلبوع" يقول منصور "حتى الآن، لم يصدر أي شيء رسمي يوضح كيف هرب الأسرى، وماذا استخدموا في عمليات الحفر، هل تلقوا مساعدة ما؟". وقال "المسألة ليست سهلة مهما كان، ومجرد التفكير بالفرار خطوة ليست بالسهلة أيضا". وتوقّع منصور أن تزيد السلطات الإسرائيلية من إجراءاتها بحق الأسرى، لمنع أي عمليات مماثلة. غير أنه استدرك "لكنّ الفلسطيني دوما يبدع ويخترق كل خطوط الاحتلال". الأناضول