بسبب الخلط بين الإسلام والتطرف، دخلت فرنسا في أزمة مع العالم الإسلامي. خطاب الرئيس ماكرون عن «عزلة الإسلام»، والخلط بالتطرف، ونشر الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، جعل فرنسا في معركة خاطئة مع المسلمين في العالم، تحولت إلى دعوات إلى مقاطعة المنتجات الفرنسية في عدد من الدول العربية، وإلى أزمة دبلوماسية مع تركيا بعد تصريحات الرئيس التركي، رجب أردوغان، ضد الرئيس الفرنسي ماكرون، واستنكرت العديد من الدول نشر الرسوم، منها المغرب. في فرنسا، يعتبر عدد من المثقفين والصحافيين أن نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة يعد «حرية تعبير»، في حين يعتبر في الواقع بمثابة ازدراء للدين الإسلامي، وإساءة له، وهو ما يمس شعور ملياري مسلم، وكما جاء في بلاغ الخارجية المغربية، فإن هذه المنشورات تعكس «غياب النضج لدى مقترفيها»، فحرية الفرد تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين ومعتقداتهم، ولا يمكن حرية التعبير، لأي سبب من الأسباب، أن تبرر الاستفزاز والتهجم المسيء. من حق فرنسا العلمانية أن تتدخل لتنظيم الشأن الديني ومراقبة المؤسسات الدينية، رغم أن مبادئ العلمانية تفرض حياد الدولة. فالتطرف والإرهاب اللذان عاشتهما فرنسا في السنوات الأخيرة طرحا تساؤلات حول مسالك استقطاب وتأطير المتطرفين، الذين ولد معظمهم ونشأ في فرنسا، لكن أن يقع الخلط بين دين الإسلام وبين التطرف، فهذا هو الخطأ الكبير الذي سقطت فيه فرنسا. في 7 يوليوز 2020، أنهت لجنة تقصي برلمانية شكلها مجلس الشيوخ الفرنسي تقريرا حول خطر الإسلام المتطرف وكيفية ومواجهته، وذلك بعد ثمانية أشهر من العمل. ويشير التقرير إلى أن الإسلام أصبح الدين الثاني في فرنسا بعد المسيحية، ويحذر من الإيديولوجيا الإسلامية أو الإسلام المتطرف الذي تدعمه بعض الدول والجماعات والأفراد. يرصد التقرير تطور الإسلام السياسي بمختلف تشكيلاته في فرنسا منذ السبعينات، من السلفيين وجماعات التبليغ، والإخوان المسلمين، وغيرهم، وكيف يشتغلون ويجمعون المال لبناء المساجد. ورغم أن التقرير يميز بين الإسلام بصفته دينا وبين الإيديولوجيا الإسلامية، فإنه في الواقع يقع في الخلط، حين يدعو إلى تقليص تأثير مجموعة من الدول في عمليات التأطير الديني في فرنسا، مثل المغرب الذي يرسل أئمة ووعاظا إلى فرنسا لتأطير الجالية المغربية. فالمغرب يساهم في التأطير الديني لجاليته استنادا إلى مبادئ الاعتدال، وهذا في صالح فرنسا، وليس تطرفا يهددها. على ضوء هذا التقرير، جاءت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أكتوبر، والتي هاجم فيها انعزالية الإسلام، ما أثار استياء حتى الدول الإسلامية الحليفة لفرنسا. بعد ذلك سيقع حادث مروع يوم الجمعة 16 أكتوبر، في منطقة تبعد 30 كيلومترا شمال باريس، حين قام شاب من أصل شيشاني، لا يتعدى عمره 18 سنة، بقطع رأس أستاذ، في رد فعل على رسومات كاريكاتورية مستفزة مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم أمام التلاميذ، ما أثار استياء أولياء أمورهم. هذا الشاب لم يكن من تلاميذ الأستاذ الضحية، لكنه قرر قتل الأستاذ انتقاما، ونشر صورته مقطوع الرأس على تويتر، وبعد ذلك تعرض بدوره للقتل على يد الشرطة. من الطبيعي أن تخلق هذه الواقعة صدمة لدى المجتمع الفرنسي، لكن أن يصل رد الفعل إلى درجة نشر الرسوم المسيئة فوق المباني الحكومية، وأن يعلن الرئيس ماكرون ضمنيا دفاعه عن ذلك، فهذا أمر لم يكن مقبولا. لا يمكن التصدي للتطرف، الذي يشكل أقلية، عبر مهاجمة الإسلام والمجتمعات الإسلامية، ووصم ملايين المسلمين في فرنسا وترهيبهم. فمشكل التطرف موجود في كل الديانات، وهو يتعلق بفهم النصوص الدينية، وأيضا بانعدام العدالة على الساحة الدولية تجاه قضايا المسلمين، فالشبان المتحمسون دينيا يسهل استقطابهم للأفكار المتطرفة، في غياب تأطير معتدل، واستعمال النصوص لتبرير العنف يعد إشكالا حقيقيا. فهل وجود جماعات يمينية متطرفة مسيحية، يعني أن المسيحيين كلهم متطرفون؟ حين تابعت واقعة قتل الشاب الشيشاني للأستاذ الفرنسي بوحشية بسبب الرسومات المستفزة، تذكرت حديثا معبرا جاء فيه أن مجموعة من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: «السام عليك» )السام هو الموت( فرد عليهم: «وعليكم»، فقالت زوجته عائشة غاضبة: «السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلا يا عائشة عليك بالرفق، وإياك والعنف أو الفحش»، قالت: «أولم تسمع ما قالوا»، قال: «أولم تسمعي ما قلت رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم».. فلو قرأ الشاب الشيشاني هذا الحديث واستوعبه لما أقدم على ما فعله.