مندوبية التخطيط : الادخار الوطني يتجه نحو بلوغ 28,3 في المئة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال 2025    شبهات "تضخيم" القطيع و"تبديد" الدعم تحاصر وزير الفلاحة    من جديد .. إضرابات وطنية ستشل المستشفيات العمومية    عبد اللطيف حموشي.. قاهر الإرهاب وصانع مجد الأمن المغربي في لعبة الكبار    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء قريب من التوازن    نهضة بركان تنهي دور المجموعات باكتساح شباك ستيلينبوش بخماسية نظيفة    أمن البيضاء يفتح تحقيقا في ملابسات اعتداء على بائعة سمك    المنتج عبد الحق مبشور في ذمة الله    النفط ينخفض مع ترقب تحركات ترامب بشأن قيود تصدير النفط الروسي    تراجع أسعار الذهب    حشود تستقبل المعتقلين الفلسطينيين المفرج عنهم من السجون الإسرائيلية    "تيك توك" تعود للعمل بأمريكا وبكين تدعو واشنطن لتوفير بيئة منفتحة للشركات    سعر "البتكوين" يسجل مستوى قياسيا جديدا بتخطيه 109 آلاف دولار    ترامب يعود اليوم إلى البيت الأبيض ب "قوة وسرعة غير مسبوقتين".. وبايدن يغادره مذلولا داخليا وخارجيا    كذبة التخفيف الضريبي الكبرى!    عبوب زكرياء يقدم استقالته بعد خسارة الدفاع الحسني الجديدي أمام الوداد    ابتسام الجرايدي تتألق في الدوري السعودي للسيدات وتدخل التشكيلة المثالية للجولة 11    "هيومن رايت ووتش" وقضية الصحراء.. تطوّر أقل وخروقات أكثر!    توقعات أحوال الطقس ليوم الاثنين    لتجاوز التعثرات.. وزارة التربية الوطنية ترسي الدعم المؤسساتي في 2628 مؤسسة للريادة    المدرسة.. الحق في الحُلم أو هندسة الفشل الاجتماعي    كيوسك الإثنين | إعطاء الانطلاقة لعملية انتقال العاملات الموسميات إلى إسبانيا    أب لخمسة أطفال يضع حدا لحياته بطنجة    محمد بن سعيد    تنظيم أول دورة من مهرجان السينما والتاريخ بمراكش    أنت تسأل وغزة تجيب..    دراسة: التمارين الهوائية قد تقلل من خطر الإصابة بالزهايمر    منها ذهبية واحدة.. جيدو المغرب يحرز 11 ميدالية    هشام جيراندو.. النصاب الذي يَبحث عن "الاهتمام" في اجتماعات الحموشي والمنصوري    إعادة انتخاب فلورينتينو بيريس رئيسا لريال مدريد    إجراءات أمنية مشددة قبيل تنصيب دونالد ترامب    نائب الرئيس الصيني يلتقي إيلون ماسك وقادة الأعمال الأميركيين في واشنطن قبيل تنصيب ترامب    إسرائيل تفرج عن 90 معتقلا فلسطينيا ضمن المرحلة الأولى من صفقة التبادل مع حماس    توصيات المنتدى الوطني الخامس للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بأكادير    تخليداً لذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال: منظمة المرأة الاستقلالية بوجدة تناقش مقترحات تعديل مدونة الأسرة    بعد عاصفة ثلجية.. فرق التجهيز والنقل بالحسيمة تتدخل لفتح الطريق الإقليمية 5204    اختطاف مواطن اسباني جنوب الجزائر و نقله الى مالي :    تنظيم تظاهرة "Nador Boxing Champions" إحتفالا بالسنة الأمازيغية الجديدة 2975    بركان تكتسح "ستيلينبوش" بخماسية    إطلاق الخط الجوي بين الدار البيضاء وشنغهاي.. توجه استراتيجي لتعزيز التعاون بين الصين وإفريقيا    في 3 دقائق.. إبراهيم دياز ومبابي يسجلان هدفين ل ريال مدريد أمام لاس بالماس    توقيع إعلان مشترك بين المغرب وألمانيا لمواجهة التحديات المشتركة    ترحيب دولي بإعلان وقف إطلاق النار في غزة    إبداع النساء المغربيات في أطباق البسطيلة المغربية يبهر العالم    بالصدى : بوحمرون .. وما بعده    فريق كوري يبتكر شبكة عصبية لقراءة نوايا البشر من موجات الدماغ    مهرجان مراكش للكتاب الإنجليزي: حفل تسليم النسخة الأولى من جائزة "كوستا غولدكس"    وائل جسار يعايد مي حريري ويتمنى لها الشفاء    إسدال الستار على فعاليات الدورة ال3 من المهرجان المغربي للموسيقى الأندلسية    أفضل وجهة في العالم لقضاء شهر العسل    حفل ضخم في "جوي أووردز" بالرياض    توقيف المشتبه به في طعن نجم بوليوود سيف علي خان    الجزائر.. فيروس ينتشر ويملأ مستشفيات البلاد بالمرضى    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جمال بودومة يكتب: «اللايكات» ليست أصواتا انتخابية!
نشر في اليوم 24 يوم 20 - 10 - 2020

أيام الثانوية، كنا مجموعة من المشاغبين، نعتقد أننا الأذكى في العالم، وأننا يمكن أن نوقف الكرة الأرضية عن الدوران، لا نكفّ عن الشغب وارتكاب الحماقات، والسخرية من الأساتذة والإدارة، في الساحة والفصل، أثناء الدخول وإبان الخروج، بنزق وخفة. في أحد الأيام، كنا نقف في صف طويل، استعدادا للالتحاق بالأقسام، وكان الناظر شخصا صارما وذا هيبة، نسخر منه عندما يكون بعيدا، ونبالغ في احترامه عندما يقترب. لم أنتبه إلى وجوده ذلك الصباح، وكنا تتقافز مثل سعادين، وندبر المقالب لبعضنا البعض. فجأة دبّت حركة غريبة في الصف، وأخذ الجميع مكانه في انضباط عسكري، وحدي كنت أواصل بعض الحركات البهلوانية، حين أحسست بشخص يدنو من الخلف ويهمس في أذني: «آ سي بودومة، واش كيحساب راسك طولانطي!». التفت ورائي، ووجدته الناظر... صعقت. أصبت بالخرس، وتبددت كل قدراتي على الشغب و«العياقة»، أخذ محلها مزيج من الخجل والهيبة والندم. لم أتوقع يوما أن الناظر الوقور، الفصيح، المهيب، سيتفوه بكلمة من قبيل «طولانطي»، التي كنا نستعملها نحن المراهقون، كي نثبت للعالم أننا «قافزين» و«اولاد الوقت». من يومها، أصبحنا ننظر إلى الناظر بعين مختلفة، وزادت هيبته في صفوف التلاميذ، لأنه يتكلم مثلنا، ما يعني أنه يعرف مقالبنا، ويدرك لغتنا المشفرة...
تذكرت قصتنا مع الناظر، عندما رأيت ردود الفعل حول كلمة إدريس الأزمي تحت قبة البرلمان، بمناسبة تصفية صندوق تقاعد البرلمانيين، خصوصا في صفوف من يسمون ب«المؤثرين» على «وسائل التواصل الاجتماعي». هؤلاء الذين اعتادوا احتكار الكلمات الأكثر «زنقوية»، من أجل إثارة الجدل وجمع «اللايكات» والمتابعين، لم يتوقعوا أن برلمانيا محترما، وقياديا في «العدالة والتنمية»، وعمدة المدينة العلمية، يمكن أن يستنجد بكلمات من الأحياء الخلفية لمدينة فاس، ويجعلهم في «حيص بيص»، يمضون وقتا طويلا في فهم معجمه الفريد، حين اتهمهم بتضليل الرأي العام، ونشر «الديبشخي»، وما أدراك ما «الديبشخي»!
بعيدا عن «الديبشخي»، أو قريبا منه، كل ما نتمناه أن يحافظ البرلماني الغاضب على الحماس الذي أظهره في الدفاع عن معاشات زملائه، عندما يتعلق الأمر بقضايا أخرى تتعلق بمصالح المواطنين، لأننا لم نسمعه يوما يتحدث بهذه الحدة. ما عدا هذه الملاحظة، يظل كلام الأزمي معقولا وصريحا، ويستحق التحية. لا توجد دولة في العالم يؤدي فيها النواب ورؤساء البلديات مهامهم دون مقابل. من يطالب بذلك إنما يمارس الشعبوية و«تاحراميات» و«الغميق» و«التغوفيل» و«الدغانيش» و«الديبشخي»... وغيرها من مرادفات المعجم المغربي الغني بوصف حالات التحايل والتدليس.
بخلاف ما يروجه البعض، لغرض في نفس يعقوب، القضية ليست ريعا ولا يمكن أن تكون، بل تحصين من إغراءات الرشوة، ومد اليد إلى المال العام. هؤلاء المنتخبون يؤتمنون على صرف أموال طائلة، ويصادقون على ميزانيات ضخمة، ويشرّعون القوانين... كيف يعقل ألا يحصلوا على مقابل نظير مسؤولياتهم، وهم يؤشرون على صفقات بملايين الدراهم، ويسنّون قوانين تنظم الاقتصاد والمال والأعمال؟ إذا لم نحصنهم بتعويضات لائقة، سنجعلهم فريسة سهلة للوبيات ومروجي المال الحرام، ونشجعهم على الاختلاس والرشوة والفساد!
لو غضضنا الطرف عن النبرة والمعجم، نجد أن الأزمي وضع النقاش في إطاره الصحيح، ودافع عن مؤسسات الدولة وهيبتها، دون خوف من الشعبوية، وكانت له جرأة تسمية الأشياء بمسمياتها. حتى إشعار آخر، «وسائل التواصل الاجتماعي» لا تمنح أي شرعية ديمقراطية، و«اللايكات» ليست أصواتا انتخابية. أن تكتب تدوينة على «فيسبوك»، وتجمع آلاف الأصابع والقلوب والقهقهات، لا يمنحك مشروعية ديمقراطية، خصوصا أن الحسابات المعلومة تخفي حسابات مجهولة، بعضها في البنوك، ولا نعرف من وراءها، وإن كثيرا من الحشرات تحلق في «وسائل التواصل الاجتماعي»، من الذباب إلى الجراد، مرورا بالناموس والبق وسراق الزيت.
الغريب أن هؤلاء الذين يخوضون حربا على معاشات البرلمانيين، لا تهتز لهم شعرة أمام المليارات التي يراكمها بعض من يخلطون السياسة بالأعمال، في تضارب صارخ للمصالح، كما لم نسمع لهم صوتا عندما تفجرت قضية «خدام الدولة»، بل قرأنا لبعضهم تبريرات مضحكة. أليست لهم غيرة على الأموال العمومية إلا عندما يتعلق الأمر باستهداف المنتخبين، و«تغراق الشقف» لحزب «العدالة والتنمية»؟ ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول من يحركهم، ولأية غاية...
إذا كان «من يصنعون الشمس والمطر» لا يريدون «العدالة والتنمية» في الحكومة المقبلة، فليس عن طريق هذه الحملات البليدة يمكن إسقاطهم. الناس لا يزيدون إلا اقتناعا بأنهم الأفضل، أو الأقل سوءا بين الموجودين، «اللهم العمش ولا العمى»!
ليس عيبا أن يتقاضى ممثلو الأمة تعويضات عن مهامهم، كما في كل بلدان العالم. العيب أن يكون الاقتراع مزورا، وأن تحاضر المومس في الأخلاق، وأن نخلط بين «اللايكات» والأصوات الانتخابية. رحم الله الكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو، الذي تنبأ بالمهزلة منذ زمن بعيد، حين قال عن «وسائل التواصل الاجتماعي» إنها «تمنح حق الكلام لفيالق من المعتوهين، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط، بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يجري إسكاتهم فوراً. أما الآن فلهم الحق في الكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.