أدركت الدبلوماسية المغربية مبكرا أن مرحلة حكم إبراهيم أبو بكر كيتا، الرئيس المالي المطاح به، الأسبوع الماضي، انتهتمع سيطرة الانقلابيين على الحكم، لكن العلاقات الثنائية المغربية والمالية التي تعود إلى قرون لا تتغير بتغير الحكوماتوالرؤساء المتعاقبين على الحكم. وخير دليل على أن العلاقات بين البلدين "علاقة دولة" هو بيان وزارة الخارجية المغربيةالذي دعا جميع جميع الأطراف إلى الحوار، وهو الموقف الذي تأكد بعد استقبال رئيس اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب فيمالي، العقيد آسيمي غويتا، يوم الثلاثاء الماضي، السفير المغربي بمالي، حسن الناصري، بالثكنة العسكرية التي تبعدعن 15 كلم عن باماكو. في هذا الصدد، وجه رئيس اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب في مالي، العقيد آسيمي غويتا، رسائل ودية تجاه المغرب، إذشكر الملك محمد السادس على المساهمة الفعالة للمغرب في الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى تسوية للأزمة فيالبلاد. كما أكد آسيمي غويتا أن السفير المغربي هو أول دبلوماسي يجري اتصالات مع السلطات الجديدة، وذلك منذ يومالخميس 20 غشت الجاري، مشيدا بالعلاقات العريقة والشراكة المثمرة التي تربط البلدين الشقيقين. كما أبلغ غويتاالسفير المغربي بتدابير الثقة والتهدئة المتخذة، مشيرا إلى أن الانتقال السياسي ستتم مناقشته بين مختلف مكوناتالمجتمع المالي. كما استعرض الجانبان تطورات الوضع في مالي عقب أحداث 18 غشت الجاري. وكان المغرب عبّرمباشرة بعد الانقلاب أنه يتابع عن كثب تطور الوضع في مالي، والذي يأتي عقب أسابيع من التوترات السياسيةوالاجتماعية، كما يدعو كافة الأطراف والقوى الحية بمالي إلى تغليب المصلحة العليا للبلاد واستقرارها، وطمأنينةوتطلعات شعبها. وتعتبر دولة مالي حليف وصديق استراتيجي للمغرب في إفريقيا، إذ إن العلاقات الثنائية بين البلدين ترسخت أكثر منذاعتلاء الملك محمد السادس العرش سنة 1999. إذ جرى سنة 2000 توقيع بروتوكول اتفاق للتعاون بين البلدين فيمجالات التشغيل والشغل والتكوين المهني الذي ينص على تبادل الخبرات والدراسات والزيارات والوثائق المتعلقةبسياسات التشغيل وتدبير سوق الشغل. وفي 2001، جرى التوقيع على محضر للتعاون بين المغرب ومالي في مجالاتالشباب والرياضة والطفولة والمرأة وتكوين الأطر. وفي 2003 تم توقيع اتفاقيتين للتعاون بين مدينتي مراكش وتومبوكتوتهدفان إلى تعزيز سبل التعاون وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين. وفي 2005 جرى التوقيع بالرباطعلى عدد من اتفاقيات التعاون والشراكة بين مجلس جهة الرباط – سلا– زمور– زعير ومجلسي جهتي زيغنشور(السنغال) وتومبوكتو (مالي). وفي 2007 وُقعت بمراكش مذكرة تفاهم وتعاون مع مالي تهدف إلى تطوير مجالاتالتعاون في الميدان الطاقي بين المغرب وجمهورية مالي. وفي 2008 جرى التوقيع بباماكو على عقد تفويت 51 في المائةمن رأسمال البنك الدولي لمالي ( بيم– إس.أ) إلى مجموعة التجاري وفا بنك بقيمة 40 مليار فرنك إفريقي (حوالي 60 مليون أورو). علاوة على اتفاقيات تخول للأئمة الماليين الاستفادة من التكوين في المغرب. إلى جانب الدعم الغذائي الذييقدمه المغرب إلى مالي كلما كانت هناك حاجة إلى ذلك. وتقوت العلاقات المغربية المالية بعد الزيارة التي قام بها الملك محمد السادس إلى مالي في شتنبر 2013 لحضور حفلتنصيب الرئيس المنتخب، إبراهيم أبوبكر كيتا، قبل الإطاحة به الأسبوع الماضي. حينها توجه أبو بكر كيتا في خطابتنصيبه إلى الملك قائلا إن حضوركم "شرف كبير للشعب المالي"، وتابع: "إن حضوركم اليوم، يا صاحب الجلالة، ليعد،بالتأكيد، عربون تقدير وصداقة سنظل ممتنين لكم عليها إلى الأبد"، مذكرا بأن حضور الملك حفل التنصيب يأتي "بعدمرور خمسين سنة على ذلك الذي شكل مصدر فخر واعتزاز لمالي (الرئيس موديبو كيتا) حين استقبل جلالة المغفور لهالملك الحسن الثاني". من جانبه، يعتقد خالد يموت، الباحث المغربي، أن العلاقات المالية تعود إلى عدة قرون، والتي تحولت بشكل كبير إلى"علاقة عضوية" في عهد المرابطين، وهي العلاقة الراسخة إلى اليوم. وتابع أن "المغرب له حضور ديني ووجود أمني وازنبمالي. وهذا ليس بالشيء الجديد، ولكنه تطور منذ 2009، بحيث أصبح المغرب يلعب تقليديا دورا كبيرا في التأطيرالديني وتكوين الأئمة، وغير ذلك". وحتى من ناحية البنية الأمنية تطور الحضور المغربي في مالي من خلال المساهمة فيالتأطير الأمني بطلب مالي بالدرجة الأولى، وفق خالد يموت. لهذا يعتقد يموت أن "فرنسا نفسها، رغم قوتها، اعتمدتسنة 2011 على المعطيات والخبرة المغربية، وعلى ما قدمه المغرب لتحقق نوعا من الاستقرار، فلولا التعاون المغربي لمااستطاعت فرنسا تحسين الاستقرار في مناطق معينة بمالي".