أصبح فيروس كورونا مرادفا للارتباك في مختلف دول العالم، ولكن في المغرب فإن القرارات المرتبكة التي تُتخذ في آخر لحظة تكون لها تداعيات صعبة تمس بكرامة المواطنين. فما معنى أن تقرر الحكومة، أياما قبل عيد الأضحى، منع السفر إلى ثماني مدن مغربية، هي: طنجة، تطوان، فاس، مكناس، الدارالبيضاء، برشيد، سطاتومراكش، وأن تمنح مهلة بضع ساعات للمواطنين الراغبين في العودة إلى بيوتهم أو السفر لقضاء العيد مع أقاربهم؟ ما معنى أن تعلن الحكومة خطة لإنعاش السياحة الداخلية، وتطلق الفنادق عروضا تشجيعية، ويقوم الناس بالحجز لقضاء فترة من العطلة الصيفية في مراكش أو تطوان أو غيرهما، ثم تقرر الحكومة نفسها منع السفر؟ ما وقع مساء الأحد 26 يوليوز، من فوضى وتكدس للمواطنين في المحطات والطرق السيارة، خاصة في مدينة الدارالبيضاء، يسائل من اتخذ هذا القرار. بعض المواطنين الذين لم يجدوا وسيلة للنقل، خرجوا كالمجانين إلى الشوارع يبحثون عن الطاكسيات أو الحافلات، ومنهم من فضل المشي خارج المدن التي استهدفها المنع، لعلهم يجدون وسيلة نقل توصلهم إلى وجهتهم. وقد نشرت صور للعديدين منهم وهم يغادرون طنجة مشيا على الأقدام. ألم يكن من الممكن منح مهلة للمواطنين من يومين أو ثلاثة أيام قبل إغلاق هذه المدن، وتفادي الازدحام والارتباك والحوادث التي يمكن أن تقع بسبب كثرة السيارات في المحاور الطرقية خلال الليل؟ كل من كان مساء الأحد في إحدى المدن التي شملها قرار منع السفر عاش لحظات صعبة، وشعر بالغضب، خاصة من لم يجد وسيلة للنقل، ووجد نفسه يسابق الزمن من أجل أن يكون خارج المدينة المهددة بالإغلاق قبل حلول منتصف الليل. فهل تطور الحالة الوبائية يبرر اتخاذ قرارات متسرعة دون مراعاة لكرامة المواطن؟ وإذا كان هناك حرص على التباعد الاجتماعي واحترام الإجراءات الاحترازية، فماذا يمكن أن نقول عن الاكتظاظ الحاصل هذه الأيام في أسواق الأضاحي، وفي الشواطئ؟ صحيح أن الحالة الوبائية مقلقة وتعرف تطورا خطيرا، لكن منذ رفع الحجر الصحي، والشروع في إجراءات التخفيف، كان واضحا أن الفيروس لايزال موجودا، ولم يُقض عليه نهائيا، وتبين من خلال مضاعفة عدد التحاليل المخبرية يوميا، خاصة في الوحدات الصناعية ووسط المهنيين، أن الفيروس مازال نشطا وينتشر باستمرار، ومعظم الحالات التي جرى اكتشافها كانت تتعلق بالوحدات الصناعية والفلاحية، خاصة في ضيعات للاميمونة، ومعمل السردين في آسفي، ومعامل في طنجة. ورغم أن نسبة الإماتة مازالت منخفضة في المغرب، فإن تسجيل 7 وفيات أو 8 في اليوم أمر مقلق. وفعلا تظهر المعطيات الوبائية أن جهة طنجة-تطوان سجلت، يوم 25 يوليوز، 455 حالة في 24 ساعة، معظمها في طنجة ب427 حالة، فيما سجلت جهة الدارالبيضاء-سطات 185 حالة، وجهة فاس-مكناس 103 حالات، ووصلت الحصيلة في هذا اليوم وحده إلى 811 حالة في مختلف الجهات، وهي حصيلة يومية قياسية منذ ظهور الوباء في المغرب في بداية مارس. وفي 24 يوليوز، جرى تسجيل 570 حالة إصابة في 24 ساعة، أي أنه خلال 48 ساعة سُجلت 1381 إصابة. وتشير وزارتا الداخلية والصحة، اللتان قررتا إغلاق هذه المدن، إلى أن هذا القرار اتخذ بسبب «عدم احترام أغلبية المواطنين للتدابير الوقائية المتخذة، كالتباعد الاجتماعي ووضع الكمامة واستعمال وسائل التعقيم.. ما أدى إلى زيادة العدوى». أمام هذه الوضعية، تقرر منع صلاة العيد جماعة في المصليات، وأعلنت وزارة الداخلية أن وضع الكمامة صار إلزاميا، وإلا ستطبق العقوبات المنصوص عليها في القانون، ثم تقرر إغلاق ثماني مدن، بشكل مفاجئ، بالتزامن مع خطة إنعاش السياحة الداخلية. كل هذه القرارات يمكن تقبلها في سياق مواجهة الجائحة، لكن، ألم يكن من الأجدر منح مهلة للمواطنين، وتفادي ما حصل في الليلة السوداء ليوم أول أمس الأحد؟ لكن السؤال الأهم هو: هل سنعود للحجر الصحي من جديد؟ وهل البلاد قادرة اقتصاديا على تحمل أشهر أخرى من الإغلاق والحجر؟