في هذا الحوار، يرجع خوسي بالاثون، رئيس المنظمة الحقوقية «بروداين»، الأوضاع الصعبة التي يعيشها القاصرون المغاربة غير المرافقين في إسبانيا إلى سوء تدبير استقبالهم من لدن الجهات الإسبانية المختصة. متى وصل أول القصر الأجانب غير المصحوبين إلى مليلية؟ كان ذلك قبل 20 عاما. ولم تكن هناك مراكز إيواء للقصر. وصل، بالضبط، خمسة أو ستة قاصرين، وجرى إيواؤهم في ما سيطلق عليه مع مرور الوقت «مركز بوريسيما»، الذي يصلح لكل شيء إلا لرعاية القصر. وهذا ما اعترف به وزراء الحكومة المحلية لمليلية الذين وصفوا، قبل وقت وجيز، ما يعاش هناك بالأزمة الإنسانية الخطيرة، وقالوا إن حياة الأطفال هناك في خطر. وكيف كان رد فعل سكان مليلية عندما وصل الفوج الأول من أولئك القصر؟ كان تفاعل المجتمع جيدا وإيجابيا، وفي المقابل، لم يكن تفاعل الطبقة السياسية جيدا لأنها كانت تعتقد أن ذلك سيكلفها المال؛ أي أن عليهم افتتاح مركز استقبال، وكان عليهم إيواء أطفال، بالنسبة إليهم، هم ليسوا أطفالا، وليسوا إسبانيين، فقط يعتبرون بكل بساطة مجرد مغاربة. ما هو واقع حال هؤلاء القاصرين اليوم بمليلية؟ شبيه جدا بالوضع في سبتة، وحتى أسوأ، لأن هناك الكثير من القاصرين والقليل من العناية. لا علاقة للعناية التي يحظى بها القاصرون هنا، جملة وتفصيلا، بتلك التي يستفيد منها رفاقهم في سبتة، رغم أنني لا أريد أن أقول إن الوضع في سبتة جيد، بل أريد تأكيد أن الوضع هنا سيئ جدا. هنا يعيش ألف قاصر، والسواد الأعظم في وضع مزرٍ بمركز «بوريسيما». إن ما يحدث هنا فظيع. أعرف أن هناك إرادة لتغيير هذا الوضع مع تغير الحكومة المحلية، لكن القيام بذلك يحتاج إلى وقت إذا كانت هناك فعلا إرادة للتغيير. في كل الأحوال، الأزمة التي يُتحدث عنها في سبتة ومليلية لم يتسبب فيها القاصرون، بل التدبير السيئ لعملية الإيواء ومساعدة الأطفال. المشكل ليس في الأطفال، بل في السياسيين، لأن سياساتهم لا تعالج سوء التدبير في مليلية. قضيتم أكثر من 20 عاما في دعم ومساعدة والعمل مع القاصرين. هل تعتقدون أن وضع القاصرين في المغرب أسوأ حالا مقارنة بوضع أقرانهم في إسبانيا؟ إنهم يعيشون في وضعية سيئة، لكن لا يمكن القول إنهم في إسبانيا في وضع جيد. إنهم أحسن حالا في بلاد الباسك، أيضا، مقارنة بسبتة ومليلية أو الأندلس، رغم أنني لا أريد القول إنهم يعيشون في بحبوحة في بلاد الباسك. إن أوضاع طفل إسباني في مركز لإيواء القصر، كيفما مكان، أفضل من حال القاصر الأجنبي. فالقاصر الإسباني عندما يبلغ سن الرشد يستفيد من حقوقه الكاملة باعتباره مواطنا، ما يسمح له بالاندماج بشكل جيد للبحث عن عمل وسكن… لكن القاصر الأجنبي عندما يبلغ سن الرشد يجد نفسه دون وثائق وملقى في الشارع. هناك فرق كبير في مسألة القصر. انطلاقا من تجربتك، ما هي الأسباب التي تجعل القاصرين المغاربة يغادرون بيوتهم ويعبرون الحدود إلى سبتة ومليلية؟ هناك وضع خاص في سبتة ومليلية باعتبارهما مجاورتين للمغرب. هناك يستقبلون القاصرين لسببين رئيسيين؛ أولا، بسبب ظروف الحياة التي يعيشونها في المغرب؛ فالأطفال المغاربة هناك يعتقدون أنهم سيجدون عملا في أوروبا بأي طريقة كانت، لأنه في المغرب ليس هناك شغل. ثانيا، عودة التجنيد الإجباري الذي جعل الكثيرين يهاجرون. الواقع اليوم، وفق ما يحكى لي وحسب ما أراه، هو أن أغلبية الشباب يرغبون في الهروب، والكثيرون لا يستطيعون ذلك. يحكون لي أنهم في أي مدينة مغربية إذا كان لديهم بعض المال، يحاولون البحث عمن يهربهم للعبور إلى إسبانيا. بالإضافة إلى ذلك، هناك خاصية تتميز بها سبتة ومليلية هي أن الناس يغضبون عندما يقال إن أغلب هؤلاء القصر هم أبناء ممتهنات التهريب المعيشي والاقتصاد غير المهيكل. فهذا النشاط هو الذي تقتات منه سبتة ومليلية. يقول السياسيون إن اقتصاد المدينتين في طريقه إلى الانهيار، لأن المغرب -لا أقول هنا إنه بريء- يمنع التهريب المعيشي. طبيعي أن يمنع المغرب التهريب المعيشي، لأن الكثير من النساء يتفرغن له، ويتركن أطفالهن في الشارع. لماذا؟ لأن هؤلاء النساء يحاولن القيام بكل ما يمكن لإدخال أطفالهن إلى سبتة ومليلية. إلى جانب دور مافيا تهريب البشر، التي نعرف أنها تحصل على أموال مقابل إدخال السوريين والفلسطينيين إلى المدينتين. كل مهاجر عبر الحدود كان عليه دفع مبلغ مالي للمافيا. هناك مصالح المافيات. هل هناك في سبتة ومليلية من يعتقد أن أسر القصر لم تدفع مقابل وصول أطفالها إلى المدينتين؟ نعم. تجدر الإشارة إلى أن العبور إلى المدينتين لا يقتصر على أطفال الأسر الفقيرة المعدمة، بل نسجل وصول أطفال كانوا يدرسون في المغرب ووضعهم جيد، وتلقوا تربية جيدة. هؤلاء أيضا يحتاجون إلى المساعدة والتوجيه والدعم. لكن الشائع هو الحديث عن أطفال الشارع، عن أطفال بقصة شعر سيئة، ووجوه عابسة، عن أطفال منحرفين. بخصوص التهريب، أعتقد أنه يجب أن تخضع سبتة ومليلية لعملية التحول إلى اقتصاد قانوني وشريف ودائم ومختلف.. اقتصاد قادر على جعل الأشخاص مختلفين، وأن تحارب العنصرية الموجودة من منذ زمن بعيد. يجب جعل سبتة ومليلية مدينتين عصريتين. لهذا يوجد السياسيون؛ لتحديث المدينتين، وتجنيب ارتباطهما بنشاط التهريب المعيشي، الذي هو نشاط غير لائق. لماذا أغلبية القاصرين غير المصحوبين ذكور وليسوا إناثا؟ هناك الكثير من الإناث أيضا؛ والذي يحدث هو أنهن يتخذن وجهات أخرى ويكن بعيدات عن الأنظار. لكن، مثلا، ارتفع عدد الإناث اللواتي وصلن في مليلية في السنوات الأخيرة، حيث ارتفع عدد القاصرات اللواتي تعاملنا معهن السنة الماضية بنسبة 100 في المائة. هناك طفلات في الشارع اليوم. الشارع سيئ سواء بالنسبة إلى الذكور أو الإناث، لأنه بكل بساطة شارع، فضلا عن التهديدات التي تواجه الطفلة. لقد رأيت بأمي عيني طفلات انتهى بهن الأمر في الشارع يمتهن الدعارة، وطفلات فقدن عقولهن، وأصبن بالجنون بسبب الأوضاع التي مررن بها. هذا مروع. وضع الإناث يغلفه الصمت رغم أنه أكثر خطورة من وضع الذكور.