لم يعد “حمزة مون بيبي” مجرد حسابات جامحة مختصة في التشهير الإلكتروني بالفنانين والشخصيات العمومية، بل تحول إلى قضية رأي عام تجاوزت الحدود الوطنية. قصة الحسابات الوهمية الفضائحية، التي كان عدد متابعيها بالملايين، انتهت بخمسة ملفات أمام القضاء، يتابع فيها ثمانية متهمين، بينهم ستة في حالة اعتقال. واحد من بين هذه الملفات لازال موضوع تحقيق إعدادي بابتدائية مراكش ضد المغنية دنيا باطما وشقيقتها، الموضوعتين تحت المراقبة القضائية، وثلاثة أخرى معروضة حاليا أمام الغرفة الجنحية التلبسية التأديبية بالمحكمة نفسها، فيما قضت هذه الأخيرة بإحالة ملف خامس على غرفة الجنايات باستئنافية المدينة ذاتها لعدم الاختصاص، معللة حكمها بأن الأفعال المرتكبة من طرف المتهم تعد جناية “اتجار في البشر”. قبل إحالة الملفات الخمسة على القضاء، تولت، في البداية، كل من المصلحتين الولائيتين للشرطة القضائية بمراكش والدار البيضاء الأبحاث الأمنية المتعلقة بشكايات تقدم بها العشرات من ضحايا هذه الحسابات، التي شنت حملات تشهير عنيفة ضد العديد من المشاهير.لم تسفر الأبحاث الأمنية المنجزة عن توقيف أي مشتبه به في تسيير هذه الصفحات، فيما كانت أسماء مشاهير يجري تداولها بقوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على أساس أنهم يقفون وراء الحسابات المذكورة، التي واصلت التشهير بضحاياها لمدة جاوزت السنتين، إلى أن تم وضع شكايتين جديدتين، في يوليوز المنصرم، تقدمت بالأولى المغنية سعيد شرف حول “تعرّضها للسب والشتم والطعن في وطنيتها”، والثانية، تقدم بها المركز الوطني لحقوق الإنسان حول “تعرّض رئيسه وبعض المحامين، من أعضاء مكتبه أو من الذين ينوبون عنه أمام المحاكم، بينهم نقيب سابق لهيئة المحامين بمراكش، للقذف والتشهير”، مهددا فيها بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر المديرية العامة للأمن الوطني بالرباط، ليتم تكليف الفرقة الوطنية بإجراء أبحاث تمهيدية في شأن الشكايتين المذكورتين. وقد تمحورت الأبحاث والتحريات الأمنية المنجزة من طرف المكتب الوطني لمحاربة الجريمة المرتبطة بالتقنيات الحديثة، في البداية، حول “استهداف مجموعة من الأشخاص بالسب والقذف والتشهير، من خلال الحساب المحدث على تطبيقي “سناب شات” و”أنستغرام”، لتتناول، في مرحلة ثانية، “الابتزاز والمس بالحياة الخاصة للأشخاص عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، قبل الانتقال إلى التحري في شأن “الاتجار في البشر والنصب والتهديد والابتزاز الجنسي”، وقد تم الاستماع خلال ذلك إلى مجموعة من الضحايا والمصرحين، قبل أن يسقط أول مشتبه فيه، بتاريخ 20 غشت الفارط، بأكَادير، لتكشف التحقيقات الأمنية معه عن معطيات مثيرة حول هذه الحسابات ومسيريها المفترضين، ليُلقى القبض، أسبوعين بعد ذلك، على مشتبه به ثانٍ بمدينة القصر الكبير، ويتم وضعه تحت الحراسة النظرية، ابتداءً من مساء الأربعاء 4 شتنبر الماضي، ويعترف بأنه هو مسير أحد هذه الحسابات، وتوالى سقوط المشتبه بهم، الذين أجريت خبرات تقنية على هواتفهم وحواسيبهم المحجوزة في إطار الأبحاث التمهيدية، إذ تم توقيف ثلاثة آخرين في مراكش، وكان رجل أمن بالدار البيضاء هو آخر الموقوفين، بتاريخ 31 دجنبر الفائت. وقبل سقوط آخر مشتبه فيه بأيام قليلة، اتسعت دائرة التحقيقات وبدأت تقترب من الرؤوس المدبرة المفترضة للحسابات، فقد استمرت التحقيقات الأمنية للمكتب الوطني لمحاربة الجريمة المرتبطة بالتقنيات الحديثة مع المغنية باطما وشقيقتها، طيلة خمسة أيام متواصلة، بمقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، قبل أن تجرى لهما مسطرة التقديم أمام نائب وكيل الملك بابتدائية مراكش، صباح الاثنين 30 دجنبر المنصرم، الذي أحالهما على قاضي التحقيق بالمحكمة نفسها، ليتقرّر، لاحقا، إغلاق الحدود في وجهيهما، وسحب جوازي سفرهما، مع أدائهما كفالتين ماليتين كبيرتين، وصلت إلى 50 مليون سنتيم بالنسبة للمغنية و30 مليون سنتيم لأختها. اتساع دائرة التحقيقات الأمنية والمتابعات القضائية لم يبدد الغموض الذي ظل يكتنف قضية هذه الحسابات المثيرة، بدءا من عدم استغلال نتائج الأبحاث الأمنية والخبرات التقنية التي أجرتها المصلحتان الولائيتان للشرطة القضائية بكل من مراكش والدار البيضاء، والتي كان من شأنها أن تمنع بعض المشتبه فيهم من مغادرة التراب الوطني، وانتظار وقت طويل لمتابعة مشتبه بهم آخرين رغم كفاية الأدلة والقرائن ضدهم، مرورا بالجدل القانوني، الذي أثاره تكييف النيابة العامة للفِعل الجُرمي المرتكب في أول ملف محال على المحاكمة، والأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق في ملفين اثنين، والتي ألغتها الغرفة الجنحية، وصولا إلى ملف أول متهم معتقل، والذي لازال يراوح مكانه تتقاذفه هيئتان قضائيتان بعد ست جلسات متواصلة.