يقال إن أفضل وسيلة لاختبار الأشياء ومعرفة حقيقتها هي تجريبها وملامستها. لهذا نقترح على المسؤولين أن يختاروا أحد الأيام الماطرة من فصل الشتاء، ويخرجوا من إقاماتهم الفاخرة، ويقضوا يوما واحدا كما يقضيه عموم المواطنين. هناك أشياء اعتدناها وطبّعنا معها، لكن إذا جرّبها سعادة المسؤول سوف يحسّ بقسوتها، أولها، أن يخرج تحت جنح الظلام من بيته، ويضطر إلى استعمال المصباح الضوئي لهاتفه المحمول، ويحمل ابنه الصغير ويقفز به بين البرك المائية، ليصل به أخيرا إلى مقعده في السيارة، فنحن لا نريد أن نقسو على مسؤولنا العزيز ونطالبه بركوب وسائل النقل العمومي… بعد ركوبه سيارته، وقد تسرّبت المياه داخل حذائه وابتلت جواربه، عليه أن يحرص على التحكم في القيادة وهو يراوغ الحفر التي كشفتها مياه الأمطار، وحين يصل إلى مدرسة ابنه الصغير، عليه أن يقاوم عواطفه لكي يوقظه من غفوته ويخرجه إلى القرّ والمطر، ويلقي به داخل المدرسة. وهو في طريقه إلى عمله، ننصح المسؤول بعدم الرد على هاتفه لأن الأمر ممنوع، ثم حرصا على سلامته، لكن عليه أن يستعد بعد وصوله لسماع الخبر الآتي من مدرسة ابنه الأكبر، الذي عجز عن الوصول إلى المدرسة بسبب سيل المياه في الطرق، أو لقذفه بأمواج من المياه الوسخة التي تتطاير من تحت عجلات السيارات… نعلم أن أيا من المسؤولين لن يقوم بذلك، لذلك، نختصر المسافة ونخبرهم بأن ما سيشعرون به في هذه الحالة، هو الاحتقار، لأنهم يعيشون في العراء رغم أنهم يدفعون ثلث أجورهم ضريبة على الدخل، ونصف ما تبقى في ضرائب السكن والنظافة والسيارة والقيمة التي يقال إنها مضافة…