أهمس في أذنك في هذه اللحظة القاسية عليك وعلى أسرتك وعلينا جميعا، المفجعة من حياتك وحياتنا جميعا لأقول لك لماذا لم يعد المتلاعبون بالسلطة ببلادنا بحاجة إلى وزارة إعلام تعنى بمهنة المتاعب، كما كنت دائما تقول وأنت في بداية مشوارك المهني خلال لقاءاتنا بمقهى «16 نوفمبر» بحي أكدال بالرباط منتصف تسعينيات القرن الماضي، مهنة يتحرك أصحابها بدون سترات واقية يسقطون صرعى في ساحات القتال أوالقضاء، لأن هؤلاء المتلاعبون أصبحت لديهم مؤسسات وأجهزة تتولى شأن الصحافة والصحافيين وتقوم بما يطلب منها بعيدا عن روح القانون وسلطته، من نيابة عامة وشرطة قضائية وأجهزة أمنية ورجال أعمال من الطبقة الأوليجارشية الطفيلية، وطابور خامس من ذوي الأقلام المأجورة والضمائر الغائبة، فاستبدلوا قانون الصحافة بالقانون الجنائي والمحاكمات السياسية بالتهم الأخلاقية والاتجار بالبشر والإرهاب والانفصال. بعيدا عن كل التفسيرات والتأويلات التي أعطيت لقضيتك، وبالرغم من التوجيه والتأثير الذي قامت به الجهات التي استهدفتك لتحريف ذلك، وبالرغم من حملة التشهير التي رافقت هذا التوجيه، للأسف من زملاء لك في المهنة باعوا أرواحهم في بورصة سقوط القيم، فإن محاكمتك تبقى سياسية بامتياز، بل هي محاكمة لمسارك المهني وخطك التحريري العام، خط أعدمت بسببه أقلام أخرى من قبلك. صديقي توفيق، هل تذكر عندما كنا نتبادل أطراف الحديث في أحد لقاءاتنا الجميلة بنفس المقهى صحبة أعز الأصدقاء، الأخوان عبدالعلي وعادل، وحكيت لنا ما جرى بينك وبين مستشار الملك فؤاد علي الهمة الذي طلبك لهذا اللقاء، مطلع الألفية الحالية، وأنت في بداية مشوارك المهني وقد برز قلمك وأسلوبك في معالجة القضايا والملفات الساخنة، ليقدم لك عرضا سخيا لإنشاء مؤسسة إعلامية بالمعايير الدولية تقنية وحرفية وإمكانات مالية، شريطة ألا تتعرض للملك وللأسرة الملكية في كتاباتك، فكان جوابك أنه لا يستهويك استهداف رئيس الدولة أو أي مسؤول فقط من أجل النقد الرخيص، وإنما تكتب حينما يتصرف الملك كسلطة تنفيذية ويتخذ قرارات سياسية تتعلق بالشأن العام وشؤون الدولة والمجتمع، في هذه الحالة، ومن منطق واجبك المهني، وفي إطار الاحترام الواجب، ستكتب عنه، وانتهى اللقاء بينكما. وأنا أتابع محاكمتك منذ أطوارها الأولى لأمسك بخيوطها وأطرافها وملابساتها ومتاهاتها، أقضي أياما أبحث في أرشيف ذاكرتنا المشتركة، فتذكرت هذه الواقعة الفريدة الغنية بالدلالات، واستنتجت، انطلاقا أيضا من عملي الدبلوماسي السابق ومعرفتي بعقلية ونفسية القوم، أنهم لا ينسون من اعترض طريقهم أو أتت بهم الأقدار في ساحتهم، خيرا أو شرا، وبعدما استمعت لتصريح المحامي عبدالمولى الماروري عشية النطق بحكم هيئة الاستئناف، حيث قال إنها رسالة منك تستعطف فيها الملك وتعلن تشبثك بالثوابت الوطنية وببراءتك، ربطت بسرعة بين ذلك اللقاء مع المستشار الملكي وبين الحكم القاسي الذي أصدرته محكمة الاستئناف في حقك. لقد جاء الرد قاسيا بعد ربع قرن تقريبا. لقد عملت الجهات التي استهدفتك على ألا تترك لمحاكمتك فرصة واحدة للحصول على العفو الملكي ونيل تعاطفه مع قضيتك، فضربوا، حينما اتهموك بالاتجار بالبشر والاغتصاب والتحرش بالنساء، على الوتر الحساس القريب من نفسية الملك وشخصيته، وهي قضية المرأة. لقد كان السيناريو مدروسا رغم ما قد يبدو عليه من خروقات وتجاوزات، كلها كانت من أجل التلاعب بطرفي الملف، هيئة دفاعك وهيئة الدفاع عن الحق المدني. إن قضيتك صديقي توفيق لم تنته، وكما أعرفك شديد الثقة في نفسك وفيما تفعل، فإنه ليس لدي شك أن مثل محنتك لا يتحملها إلا أصحاب القضايا الكبرى والهمم العالية من الرجال الذين يصنعون مجد أمتهم بدفع الثمن من حريتهم وأراوحهم وعائلتهم، ولطالما كنت معجبا بنلسون مانديلا وصموده وبشخصيات مغربية وعربية وعالمية مناضلة أخرى، فاعلم يقينا أن قضيتك ستكبر ككرة الثلج وستأخذ بعدا دوليا رغم التحديات ومحاولات التيئيس. إن حياة الأفراد ومحنهم وتضحياتهم هي السراج الذي ينير الطريق نحو التغيير ومواجهة من يتلاعبون بالسلطة من أجل مصالحهم الشخصية وأنانيتهم، ويتحدون القانون ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية، ويعرضون مجتمعهم وسلمه الاجتماعي ودولتهم واستقرارها ومؤسساتها للخطر.