مارك جون ونيكولا فنكور أثار فوز حزب الجبهة الوطنية الفرنسي اليميني المتطرف في انتخابات الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع سؤالا لم يكن ليطرح من قبل: هل يمكن أن تصبح زعيمة الجبهة مارين لوبان رئيسة فرنسا القادمة؟ الإجابة الآن هي "على الأرجح لا". لكن مجرد تحدث محللين جادين عن إمكانية دخول لوبان قصر الإليزيه بعد الانتخابات المقررة عام 2017 يظهر مدى اهتزاز المشهد السياسي في الأسبوع المنصرم. وحقق حزب الجبهة الوطنية المناهض للهجرة الوافدة والمعارض للوحدة الأوروبية يوم الأحد الماضي أول نصر انتخابي على مستوى فرنسا منذ تأسيسه قبل 40 عاما وكان ذلك في انتخابات البرلمان الأوروبي التي كشفت عن خيبة أمل الناخبين في الاتحاد الأوروبي وفي المؤسسة السياسية الفرنسية ككل. وبعد يومين اهتزت الساحة السياسية الفرنسية مرة أخرى حينما تنحت زعامة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية المعارض المحافظ بصورة جماعية وسط حالة من التشوش بعد أقاويل شابت تمويل الحملة الانتخابية الفاشلة التي قام بها الرئيس السابق نيكولا ساركوزي عام 2012. كما أزاحت نسبة البطالة العالية التي أعلنت أمس الأربعاء اللثام عن سبب بقاء شعبية الرئيس الاشتراكي فرانسوا أولوند عند مستويات متدنية لم يسبقه إليها أي زعيم فرنسي في العصر الحديث. وزادت الأرقام من الإحساس بالإحباط العميق داخل نفوس الكثير من الفرنسيين. وقال جان دانيال ليفي من مركز هاريس إنترآكتيف لاستطلاعات الرأي "في ظل الوضع الحالي.. حين تتحدث مارين لوبان يستمع إليها الناس." وأضاف "انتخاب تلو انتخاب.. تنتقل هي من قوة إلى قوة." وظلت الجبهة الوطنية تعكف على مدى سنوات على اكتساب قوة دفع تدريجيا. لكن مؤيديها وخصومها والمحللين السياسيين المستقلين على السواء يجمعون كلهم على أن هناك شيئا جديدا يتبلور. وفي عام 2002 عندما أحدث جان ماري لوبان والد مارين هزة في فرنسا حينما أخرج منافسه الاشتراكي من الدورة الأولى في انتخابات الرئاسة خرج ما يقدر بنحو 1.3 مليون مواطن إلى الشوارع في احتجاج كان يعبر عن هول الصدمة. وفي الجولة الثانية الحاسمة التقط ناخبون يساريون صورا لأنفسهم وهم يسدون أنوفهم أثناء التصويت لصالح المرشح المحافظ جاك شيراك ضاغطين على أنفسهم لضمان هزيمة جان ماري لوبان التامة. لكن هذه المرة لم تخرج مثل هذه الجموع المحتجة. ولم تنجح محاولات حشد متظاهرين مناوئين للجبهة الوطنية في شوارع باريس اليوم الخميس الذي يوافق عطلة عيد الصعود إلا في جمع حوالي 4200 شخص معظمهم من طلاب المدارس والجامعات وفقا لتقديرات الشرطة. وقالت ماريون فوشو وهي موظفة اجتماعية عمرها 28 عاما كانت في الحشد إن فوز الجبهة الوطنية "يظهر أن مناخا عنصريا معينا أصبح مألوفا في فرنسا." منذ تسلمت مارين لوبان (45 عاما) زعامة حزب الجبهة الوطنية من أبيها عام 2011 غيرت صورة الحزب التي كانت مشوبة يوما بمعاداة السامية وسعت خطوة خطوة لجعله حزبا من أحزاب الحكومة. كانت هناك زلة من جانبها حين اتهمت بنشر الكراهية العنصرية عندما شبهت عام 2010 المصلين المسلمين في الشوارع بالاحتلال النازي لفرنسا. بخلاف ذلك عملت على تهميش الحرس القديم بالحزب وكانت تعاقب من يبدي عنصرية صريحة في صفوفه. وأجرت ترقيات بين الكفاءات داخل الحزب مثلما فعلت مع نائبها فلوريان فيليبو. ولا يزال الحزب مناهضا للهجرة الوافدة لكن لوبان نفسها تركز في مهاراتها الخطابية على الكلمات الطويلة المناهضة لليورو والسوق الحرة وعلى نقاط ضعف منافسيها. ذلك التحول في استراتيجية حزب الجبهة الوطنية أكسبه جيلا جديدا بأكمله من المؤيدين. وقالت مؤسسة إيبسوس ستريا للاستطلاعات إن ما لا يقل عن 30 في المئة من الناخبين ممن هم دون الخامسة والثلاثين أيدوا الجبهة في التصويت الأوروبي كما نالت الجبهة تأييد 37 في المئة من العاطلين عن العمل وهي نسبة ضخمة. بالإضافة إلى ذلك فإن ما يسمى بالجبهة الجمهورية التي عرقلت تقدم جان ماري لوبان عام 2002 لم تعد بسابق قوتها. وهذه الجبهة تمثل اتفاقا غير مكتوب بين الأحزاب الرئيسية للتراجع ودعم منافسين إن توفرت لهم فرصة أفضل لإبعاد حزب الجبهة الوطنية عن الساحة. وكان حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية تخلى بالفعل عن "الجبهة الجمهورية" قبل الانتخابات البرلمانية عام 2012 ولاحقتها الهزيمة في الانتخابات البلدية في مارس آذار الماضي. وكانت النتيجة أن حزب الجبهة الوطنية يدير الآن 11 مجلس مدينة في أنحاء فرنسا وهو رقم قياسي. وعن حزب الجبهة الوطنية قال فريدريك دابي نائب مدير معهد إيفوب لاستطلاعات الرأي "هل يمكن أن يستعيد انتعاشته في الوقت المناسب استعدادا لانتخابات 2017¿ من السابق لأوانه تحديد هذا في المرحلة الحالية." وربما لم يجيء اختيار مكان احتفالات الجبهة الوطنية بالفوز في الانتخابات الأوروبية يوم الأحد الماضي على سبيل المصادفة.. المكان كان مطعما فاخرا في المنطقة الثامنة الراقية بباريس اسمه "قاعة الإليزيه".