صيف لا كالأصياف، مرَّ بلا شمس تدفئ أيامنا الباردة وتشرق فوق واقعنا الضبابي، إلا من حرائق الأمازون التياشتعلت فأضاءت كارثة حكم اليمين الشعبوي. لقد ترك الرئيس البرازيلي الحرائق الخطيرة تشتعل في جنباته، وخرجيشعل أخرى مع الرئيس الفرنسي، ويُعيِّره بزوجته، ثم يقول إن سكان المريخ ونشطاء المنظمات غير الحكومية المهتمةبالبيئة هم المسؤولون عن حرائق رئة العالم. صيف بأمطار محمَّلة بالموت، داهم ساكنة جماعة إيمي نتيارت بنواحي تارودانت (سبحان الله.. صيفنا ولّا شتوا)،وهم يتسلون عن واقعهم البئيس بمباراة في كرة القدم. لن نزيد أي كلام بعد وصف ما حدث بالفاجعة، لكن من المؤكدأن الناس هناك سيتساءلون، وهم يدفنون أحبابهم ويكفكفون دموعهم: «ألم نكن نلعب ونمرح، بأمان، حيثما وكيفمااتفق، قبل أن تأتي السلطات والمجالس المنتخبة لتشيد لنا ملاعب ومستودعات فوق الوديان ومجاري السيول، وكأنهاتقول: ‘‘لنلهِهم الآن وبعدها الطوفان؟''، وها قد جاء الطوفان وجرفنا»، لكن الطوفان الآتي سيأتي على من يستهترونبحيوات الناس، ومن يصادرون حرياتهم، ومن يتطاولون على مالهم العام. صيف، باردا مرَّ، وها هو ينسحب دون أن نحس برياح الخريف تلفحنا، لأن الخريف أصبح فصلا ثابتا، يفرض مناخهعلى باقي الفصول، حتى إننا، هذه الأيام، نضع أيادينا على قلوبنا خوفا على براعم الربيع التي اشرأبت فيالسودان والجزائر، من اليباس والتساقط. فهل يعي ماسكو القرار لدينا في المغرب أن ضبط المكيف السياسيوالاجتماعي على الدرجة الصفر، لا يبرد سوى الوسطاء السياسيين والاجتماعيين، وأن الشعب يولد حرارته منشحنات الإحساس بالتهميش والاختناق والاحتقار.. وأنه لا يمكن توقع الارتفاع المفاجئ والعالي في درجة حرارته،طالما أن الوسائط التي يفترض فيها ضبط حرارة الشارع لم تعد تتحكم حتى في حرارتها الداخلية، بله التحكم فيحرارة الشارع. لقد بلغنا مبلغا في ضبط الأحزاب وإلحاق قرارها الداخلي بالقرار المركزي للدولة، لم تعد فيه السلطةتسمح حتى بأن يعتمد حزب مثل العدالة والتنمية مسطرة داخلية في اختيار مرشحيه للوزارات، والذين يقدمهم لهاهي لتختار من بينهم من تشاء وترفض منهم من تشاء. لقد أصبحت السلطة تريد رقابة قبلية وبعدية على الأحزاب،وتبعية كلية. صيف 2019، كان مأمولا منه –وكان الأمل أقرب إلى اليقين– أن يشعل أفراح عفو واسع عن المعتقلين السياسيين،ومصالحة أوسع بين المغاربة والمؤسسات، ويعطي معنى للعملية السياسية، واعتبارا للديمقراطية والإرادة الشعبية،خصوصا أنه صيف صادف مرور 20 سنة على حكم الملك محمد السادس الذي لم يعد ملكا شابا ولا ملكا للفقراء، بلأضحى ملكا أكمل عقدين في الحكم بأسئلة معلقة عن الثروة، وعن فشل النموذج التنموي في تحقيق نمو اقتصاديعال ومستدام ومنتج للرخاء الاجتماعي… لكن، جرى تأجيل الأمل إلى موعد لاحق، واستمر سيناريو ما بعد 7 أكتوبر 2016؛ معاقبة المغاربة على اختيارهم الذي أعملت السلطة الأيدي والأرجل لتغييره، حين وضعت إمكانياتالدولة وموظفيها، وشحذت خطباء المساجد، وحشدت بؤساء الهوامش في مسيرة ولد زروال، لتتويج الأصالةوالمعاصرة فائزا؛ وبقي لسان وزير الداخلية السابق، محمد حصاد، يلهج باسم هذا الحزب إلى آخر لحظة عندماتلعثم وهو يعلن النتائج الانتخابية، حتى كاد ينطق البام فائزا بدل البيجيدي. لقد خرج الملك، في خطاب ثورة الملك والشعب، عن منهجية «صبغوه ولصقوه فالحكومة»، عندما قال إن «المسؤوليةمشتركة» في ما يتعلق بالمعيقات التي تحول دون تحقيق نمو اقتصادي عال ومستدام ومنتج للرخاء الاجتماعي. لكن، هل كانت المحاسبة، أيضا، مشتركة؟ لا. الصيف المنسحب بخجل، هو الثالث الذي يقضيه معتقلو حراك الريف في زنازين باردة، هم الذين ألفوا شموسالشواطئ المتوسطية المتنوعة في مدينة أشبه بالجزيرة؛ أرادوا أن يشعلوه بإعلان قرار–تنبيه، بالتخلي عن الجنسية،لكن قرارهم قوبل بنقاش أشبه بالذي يعبر عنه الفرنسيون بقولهم: «Quand le sage désigne la lune l'idiot regarde le doigt»، بل إن ما أعلنه الزفزافي ورفاقه كشف مستوى التردي الذي وصل إليه البعض، مثلزعيم «حزب النور» المصري في المغرب، الشيخ الفزازي، الذي خرج مشبها المعتقلين الخمسة ب«اللقيط العاق الذيينكر أمه التي ولدته». عندما قرأت ما كتبه هذا الشيخ، تذكرت واقعة حدثت لأحد العلماء المغاربة، عندما كان مدعواإلى إحدى المناسبات، وعندما قدم إليه طشت لغسل يديه، ومعه قطعة صابون متسخة، قال: «هذا الصابون يحتاجإلى صابون». فأمثال الفزازي الذين كان مأمولا أن يكونوا «صابون الأمة» بمساندة القضايا العادلة، أو تقديمالنصيحة، بالتي هي أحسن، لمن رأوا أنه أخطأ أو زاغ عن الصواب، أصبحوا يحتاجون إلى صابون لغسل سيرهم،والحقيقة أن المغاربة تكفلوا بذلك عندما «صبنو» الفزازي وأمثاله على مواقع التواصل الاجتماعي، وبما أن الصيفبلا شمس، فإنهم سيبقون مبللين إلى وقت لاحق.الرأي