بعد توجيه الفريق الأممي المعني بالاعتقال التعسفي لرسالة للمشتكيات في ملف الصحافي توفيق بوعشرين، وهي الرسالة التي حملتها بعض الأطراف تأويلات كثيرة، كشف عزيز إدمين، الناشط الحقوقي والخبير الدولي في مجال حقوق الإنسان، خبايا هذه الرسالة وعلاقتها بالتقرير السابق للفريق الأممي حول قضية بوعشرين. في هذا الحوار مع “اليوم 24″، يكشف إدمين كيف أن الرد يمثل رسالة من الفريق الأممي للحكومة المغربية بعد الهجوم الذي تعرض له على يد مسؤولين مغاربة بسبب مطالبته بإطلاق سراح بوعشرين فورا وتعويضه. وتساءل ادمين في هذا السياق عن الجهة المغربية التي منحت المشتكيات في ملف بوعشرين الغطاء للولوج لمقر الأممالمتحدة في جنيف. ما تعليقك على الرد الذي تلقته المشتكيات في قضية بوعشرين من الفريق الأممي؟ أود أن أوضح الكثير من الأمور في جواب الفريق المعني بالاعتقال التعسفي من الناحية المسطرية وفق القانون الدولي. بصدق لم أفهم في البداية جواب الفريق، لأن الأنظمة الداخلية لجميع الإجراءات الخاصة، من مقررين خواص وفرق عمل وخبراء مستقلين، تفرض أن تصدر مواقفها إما بناء على آراء أو تقارير أو دراسات تعدها، ولا تمنح لها فرصة الإجابة على المراسلات أو المقابلات بشكل رسمي على أي أحد. وتعود أسباب ذلك كون عدد من المحامين عبر العالم في فترة معينة، استغلوا مجرد رسالة “إشعار بالتوصل” من قبل بعض المقررين الخواص للضغط على القضاء أو لتحوير مضمون المراسلة. ولكن بالعودة لسياق هذا الجواب ولبعض التفاصيل الواردة في الرسالة الجوابية تتضح المعالم: فالسياق اتسم بهجوم الحكومة المغربية على أحد أنظمة الأممالمتحدة المتعلقة بحماية حقوق الانسان، إذ وصف تقريرها بغير المتزن أو المتسرع، أو بأنه يفتقر للدقة وللخبرة والمهنية، بل وصل الأمر أن المندوب الوزاري لحقوق الانسان أحصى الأخطاء الخمسة وسماها ب”القاتلة” في تقرير الفريق الأممي، وطالب بشكل رسمي أن يستمع الفريق للمشتكيات، وأنه لم يطلع على مضمون الوثائق التي تدين السيد توفيق بوعشرين، بل أضاف أنه سيتجه إلى جنيف لمقابلة الفريق لتوضيح هذا الأخطاء القاتلة. السياق أيضا وصل إلى حد تجريح الفريق في أهليته، ووصفه بالمرتشي وقليل الخبرة من بعض المحاميين، ولن أطيل في هذا الأمر. أما بخصوص بعض التفاصيل الواردة في المراسلة، فقد أقرت بشكل قطعي: أن الفريق المعني بالاعتقال التعسفي غير معني بالتأويلات الصادرة سواء عن الأفراد أو عن الدولة هي الأخرى (آخر جملة من الفقرة الثانية)، لهذا، أقول وبشكل مقتنع أن الرسالة غير العادية في نظام الإجراءات الخاصة، موجهة للدولة المغربية وليس للمشتكيات. يضاف إلى ذلك أن الفريق أشار في رسالته إلى تحمل عناء الحضور –المشتكيات- لعرض معاناتهن (initiative de venir)، وهنا يطرح سؤال مهم جدا: إن ولوج مقرر الأممالمتحدة يفرض اعتماد جهة ما، إما جهة حكومية، وبالتالي دخلت هؤلاء النسوة باعتماد رسمي، وهو مستبعد، لكونهن لا صفة رسمية لهن، أو أنهن دخلن إلى مقر الأممالمتحدة باعتماد إحدى الجمعيات المعتمدة من قبل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والحاصلة على صفة “ECOSOC”، وهنا نكون في أمام جمعية حقوقية مغربية معروفة أو إحدى الجمعيات الرسمية والإدارية، والتي تنعت في أدبيات الأمممالمتحدة “GONG”. ما هي قراءتك للرسالة؟ رد الفريق هو درس بيداغوجي للحكومة المغربية، أكثر منه رد سياسي أو حقوقي، وهذا الرد يتعلق بإعادة تذكير المعنيين بمهام الفريق، وهو ما عبر عنه صراحة، أنه معني بمنظومة حقوق الانسان ولا شأن له بالقانون الجنائي المغربي، وأنه غير معني بمضمون المتابعة القضائية، وإن كان يحس بآلام المدعيات، كما سماهم في التقرير وفي المراسلة، فإن ولاية اختصاصه لا تتدخل في هذا الشأن. الفريق أكد أنه لايبرئ ولا يدين السيد بوعشرين، ولكنه يصر أنه اعتقاله تعسفي وسجنه تم خارج المعايير الدولية لحقوق الانسان، ووجب معه إطلاق سراحه أولا، ثم تعويضه ماديا على الأيام التي قضاها في السجن. كما جاء في الرد “أما ما يخص براءته أو إدانته بخصوص إدعاء العنف ضد المرأة، فالقضاء المغربي الوحيد الكفيل بذلك”، وهنا وجب الانتباه أن الفريق لم يدرج “جريمة الاتجار بالبشر” في رسالته باعتبارها جريمة خطيرة، وإنما اقتصر على العنف ضد النساء، وهنا إما أن الملفات المتعلق بالإتجار بالبشر ضد السيد بوعشرين لم تعرض أمام الفريق أو أن الفريق الأممي مقتنع تماما بخواء تهمة الاتجار بالبشر. في نظركم، هل يؤثر الرد على رسالة المشتكيات على فحوى التقرير الذي سبق أن أصدره الفريق في القضية، والذي كالب بءطلاق سراح بوعشرين وتعويضه على اعتبار أنه معتقل تعسفيا؟ هذه الرسالة، لا قيمة قانونية لها، لا على المستوى الدولي ولا على المستوى الوطني، ومن جهة أخرى كما سبق وذكرت، هي مجرد توضيح من الفريق للوفد المغربي حول أدواره ومهامه الأممية. كما أن الرسالة لن تكون ضمن وثائق الأممالمتحدة، ولن تنشر في الصفحة الرسمية للمنظمة الدولية، ولن تدخل في أرشيفها، فهي رسالة جوابية بدون مرجع أممي، وبالتالي لاقيمة قانونية لها أمام مجلس حقوق الانسان، ولا أمام القضاء المغربي. توصيات هيئات الأممالمتحدة التي هي عبارة عن قرارات أو آراء، هي ملزمة للمغرب، وخاصة منها المنبثقة عن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، فالمغرب صادق على هذا العهد في ماي 1979، ونشر في الجريدة الرسمية تحت عدد عدد3525 بتاريخ6 رجب1400، 21ماي 1980، ووفقا للفقرة الأخيرة من دستور2011 التي تنص أن التصدير جزء لا يتجزأ من الدستور، ووفقا للفقرة الثامنة من الدستور التي تنص على أن الاتفاقيات والمعاهدات التي تنشر في الجريدة الرسمية تسمو على باقي القوانين الوطنية، أي أن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية كجزء من النظام القانوني الوطني أصبح يسمو على القوانين التنظيمية والقانون الجنائي والمسطرة الجنائية، أي أن توصيات هيئات الأممالمتحدة لها مكانة ضمن النظام القضائي الوطني، وجب مراعاتها. الوكيل العام للملك المسعودي سبق أن قال في مرافعته إن الفرق الأممية يمكن أن تغير رأيها بعد إصدارها لقرارات معينة هل لهذا الكلام سند قانوني؟ أول مرة أسمع هذا الكلام، ولا سند قانوني له. الفريق بإحالته على الفقرة 74 من التقرير الذي أصدره، فإنه بشكل صريح متشبث بموقفه.