أعطت الإنتخابات التشريعية في إسبانيا انتصارا واضحا للحزب العمالي الإشتراكي بقيادة “بيدرو سانشيز”، الذي تصدر النتائج بفارق كبير عن غريمه التقليدي الحزب الشعبي المحافظ، الذي تعرض لخسارة تاريخية في مساره، في مقابل الاختراق، الذي حققه الحزب اليميني المتطرف (فوكس). وحقق الاشتراكيون بحصولهم على نسبة 28,7 في المائة من الأصوات ب123 مقعدا في مجلس النواب، حسب النتائج الرسمية شبه النهائية، التي تم إعلانها، مساء أمس الأحد، بعد فرز قرابة 99 في المائة من أصوات الناخبين، فوزا كاسحا مقارنة بالاستحقاقات السابقة لعام 2016، التي لم يحصلوا خلالها سوى على 85 مقعدا برلمانيا فقط. وعلى الرغم من هذا الفوز، الذي حققه الحزب العمالي الاشتراكي، فإنه لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يحكم بمفرده، وسيكون مضطرا إلى البحث عن حليف، أو أكثر من أجل الوصول إلى الأغلبية المطلقة، أي 176 نائبا برلمانيا من أصل 350 مقعدا، التي يتشكل منها مجلس النواب الإسباني. أما الحزب الشعبي، الذي احتل الرتبة الثانية، حسب النتائج شبه النهائية لهذا الاقتراع بحصوله على نسبة 6 .16 في المائة من الأصوات، و66 مقعدا، أي أقل ب 72 نائبا برلمانيا عن تلك، التي حصل عليها في الانتخابات التشريعية السابقة، فقد كان الخاسر الأكبر خلال هذا الاقتراع بعد أن سجل أسوأ نتيجة في تاريخه السياسي.
بيد أن أبرز ما ميز هذه الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، التي جرت، أمس، في إسبانيا هو دخول اليمين المتطرف لأول مرة إلى مجلس النواب من خلال حزب “فوكس”، الذي تمكن من الحصول على نسبة 10 في المائة من الأصوات المعبر عنها في هذا الاستحقاق الانتخابي، ما مكنه من الفوز ب 24 مقعدا في مجلس النواب. ومن جهته، سجل حزب “بوديموس”، الذي يمثل أقصى اليسار تراجعا طفيفا خلال هذه الانتخابات التشريعية بعد حصوله على 42 مقعدا، مقابل 45 مقعدا كان قد فاز بها خلال انتخابات 2016. كما فازت قائمة حزب الوسط “سيودادانوس” بنسبة 8 .15 في المائة من أصوات الناخبين و57 مقعدا محققة بذلك تقدما مهما مقارنة مع الانتخابات السابقة لعام 2016، التي لم يتجاوز عدد المقاعد، التي حصلت عليها 32 مقعدا. وحسب المتتبعين، فإن من شأن التحالف بين الحزب العمالي الاشتراكي، وحزب “سيودادانوس” الذي يضم في المجموع 180 نائبا أن يسمح بتحقيق أغلبية مريحة قد تمكنهما من تشكيل الحكومة المقبلة. وتميزت الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، التي جرت، أمس، في إسبانيا، والتي جاءت في أقل من عام على وصول الاشتراكي “بيدرو سانشيز” إلى السلطة بعد ملتمس الرقابة، الذي أطاح بغريمه المحافظ “ماريانو راخوي” بنسبة مشاركة عالية قاربت ال 76 في المائة مقابل نسبة مشاركة لم تتجاوز 66 في المائة عام 2016. وفي قراءته لنتائج الحزب الاشتراكي، اعتبر نبيل الدريوش، الكاتب، والإعلامي المتخصص في الشأن الإسباني، أنها بينت نجاحا لإستراتيجية “سانشيز”، الذي ركز على حشد الناخبين للتصويت لحزبه على اعتبار أن بلاده تعيش في ظرف تاريخي دقيق إثر الأزمة، التي عرفتها البلاد، منذ 2015، وكذا نهجه سياسة التخويف من تصاعد تأثير اليمين المتطرف. أما عن هزيمة الحزب الشعبي فاعتبر الدريوش في حديثه “لليوم 24” أنها ترجع إلى الاستراتيجية، التي انتهجها الرئيس الجديد “بابلو كاسادو” وذلك بمحاولته استقطاب الأصوات اليمينية، وقطع الطريق على حزب (فوكس)، لكنه سقط في خسارة أصوات المعتدلين ما تسبب له في هذه الخسارة غير المسبوقة. وبخصوص الاختراق، الذي حققه حزب فوكس اليميني، يعتبر الدريوش أنه سيحمل خطابا، ولغة سياسية جديدة إلى البرلمان، ومنها مناهضته لحقوق المرأة، والمهاجرين، وخطابه الهجومي على الإسلام، لكنه استبعد أي مشاركة حكومية له. وعن الحكومة المرتقبة في مدريد، أكد الدريوش أن عودة “سانشيز” إلى الرئاسة صار أمرا شبه محتوم بالنظر إلى النتائج المحققة، على الرغم من أنها لم تمنحه أغلبية مطلقة، متوقعا أن يضم حزب “سيودادانوس” إلى تحالفه. ويرى الدرويش أن الحكومة الإسبانية ستحافظ على طبيعة المواقف تجاه المغرب، إذا ما قادها “سانشيز”، معتبرا أن الأخير صار مدركا لأهمية العلاقة بين البلدين، لاسيما في قضايا الإرهاب، والهجرة، وكذا العلاقات التجارية بين البلدين. وأكد الدريوش أن “سانشيز” سيحرص على استمرار “علاقات بارغماتية” مع المغرب، مستبعدا حدوث أي تأثير لحزب “بوديموس” المتحالف معه على المواقف الرسمية من قضية الصحراء المغربية، لاسيما مع الأزمة الداخلية، التي يعيشها “بوديموس”.