فجأة تحول عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة السابق إلى كائن فايسبوكي، يطل على الجمهور من خلال هذه المنصة الاجتماعية لبعث رسائل سياسية وتصفية حساباته مع خصومه، وتقديم الموعظة والنصائح لزواره، وذلك من خلال صفحة سائقه الخاص “فريد تيتي”، الذي أصبح يطلق عليه “وكالة فريد تيتي”. وحسب صفحة هذا الأخير، فخلال الشهر والنصف الأخريين، قام بنكيران بثماني خرجات أقلها كانت في ساعة من الزمن، يتحدث خلالها في السياسية وعن تجربته الحكومية ويناقش المستجدات السياسية ويدلي برأيه فيها، غير آبه لحسابات حزبه الذي يعيش ظروفا صعبة، بعد تراجع شعبيته وتصدع التحالف الحكومي والإكراهات التي تواجهه. إحراج الحزب الخرجات المتتالية الأخيرة لبنكيران، باتت تحرج قيادة حزب العدالة والتنمية، خاصة أنه أصبح يؤطر ويوجه جزءا مهما من أعضاء الحزب في قضايا مطروحة، ويدلي بمواقفه في قضايا سياسية، حيث دأب عدد من أعضاء الحزب سواء في شبيبته أو أعضائه في الأقاليم، على زيارة هذا الأخير وسماع توجيهاته وآرائه في القضايا الرائجة، وكان آخرها اللقاء الذي جمعه مع الأعضاء والمتعاطفين مع الحزب بمديونة، وقبلها كانت الزيارة التي جمعته برئيس جماعة المحمدية التي انتخبت حديثا. هذه اللقاءات التي أصبحت تنظم بشكل دوري، والتي يتم نقل الكلمة التي يلقيها بنكيران على موقع “الفايسبوك”، تجعل هذا الأخير حاضرا بشكل قوي في المشهد السياسي، رغم أنه لم تعد له أي مسؤوليات حزبية أو حكومية، وهو ما أصبح يزعج إخوانه في الحزب، الذين يعتبرون أن خرجاته تشوش على الحزب من الداخل والخارج. وكان من بين أهم المواقف الأخير التي كانت تناقض التوجه الرسمي للحزب، هي قضية القيادية أمينة ماء العينين، حيث عبر بنكيران عن موقف مغاير لموقف العثماني، ودافع عن حرية هذه الأخيرة في نزع أو ارتداء الحجاب، معتبرا أنه ليس شرطا لدخول الحزب وليس ركيزة لمرجعية الحزب. أيضا رأيه في الملكية البرلمانية، حيث كان بنكيران قد هاجم دعاة الملكية البرلمانية، وأكد على الوقوف ضد الملكية البرلمانية التي أساسها ملك يسود ولا يحكم، لكن مصطفى الرميد القيادي في حزب المصباح، خرج للتأكيد على تبنيه موقف داعم لانتقال المغرب إلى نظام الملكية البرلمانية، معتبرا أنه “لا مفر من الملكية البرلمانية، وأي كلام غير هذا خاطئ مائة في المائة”، وهو ما اعتبره عدد من المتتبعين للشأن السياسي ردا على كلام بنكيران. ومن إشارات انزعاج الحزب من هذا الأخير التعتيم على خرجات بنكيران في إعلام الحزب، خاصة في موقعه على الانترنت، إذ أن الحزب لا ينقل كلمته أو محتواها في تجاهل تام له، وأيضا خرجة التي دشنها عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن، في جريدة “الأحداث المغربية”، التي عرفت بمهاجمة بنكيران بسبب معاشه، حيث عبر رباح بطريقة غير مباشرة عن الانزعاج من خرجات بنكيران، قائلا: “لا يمكن أن يقبل بنكيران أن يكون محرجا لحزبه، ولا يمكن أن يقبل أن تكون في الحزب قيادة موازية”، وهي طريقة مؤدبة للقول إن بنكيران يحرج الحزب، ويقدم نفسه قيادة موازية. في الشأن ذاته، اعتبر قيادي من حزب العدالة والتنمية رفض ذكر اسمه، أن خرجات بنكيران تحرج سعد الدين العثماني وتشوش على عمله، موضحا أن بنكيران حين كان أمينا عاما للحزب كان يقدم توجهات لأعضاء الحزب بعدم الخروج بتصريحات والحفاظ على جانب التحفظ، لكنه يفعل عكس ذلك اليوم”، يقول المتحدث ذاته، وزاد أنه “بالخرجات المتتالية لبنكيران، سيحرق نفسه أمام الرأي العام وأمام الحزب، خصوصا وأنه فقد البوصلة وأصبح يهاجم قياديي الحزب وحلفائه”، في إشارة إلى هجوم بنكيران على أخنوش وعلى لشكر. محمد الشقير، الباحث في العلوم السياسية، يرى أن “خرجات بنكيران لم تحرج الحزب فقط مع شركائه، بل أحرجت حتى القياديين داخل الحزب، حيث برز ذلك جليا من خلال حوار عزيز الرباح في حواره الأخير، والذي قال فيه إنه من حق بنكيران التعبير عما يريد، لكنه بين أن تصريحاته تربك عمل الحزب”، وزاد الشقير في حديثه ل”أخبار اليوم”، أن بنكيران لن يصمت وسيستمر في خرجاته وهو ما سيزيد من إحراج الحزب، خصوصا وأنه تجاوز القنوات الإعلامية للحزب من خلال ظهوره على الفايسبوك. ماذا تغير في لغة بنكيران؟ يرى عدد من متتبعي الشأن السياسي، أن اللهجة التي بات يستعملها بنكيران في خرجاته الأخيرة هي لغة مغايرة التي عهدها المغاربة، إذ أصبح يغلب عليه النقد والهجوم غير المحسوب على خصومه وخصوم الحزب، بالإضافة إلى تنصيب نفسه المدافع الشرس عن العرش من خلال الهجوم على اليسار، وقد ظهر هذا من خلال إحدى خرجاته التي هاجم فيها المدافعين عن الملكية البرلمانية وأنه لا يقبل ب”ملك يسود ولا يحكم”. ماعدا تغير توجهاته الفكرية التي برزت بشكل جلي في الفترة الأخيرة، من خلال موقفه من الحجاب والشذوذ الجنسي وغيرها من المواضيع التي أصبح يثيرها في كلماته، فلغة بنكيران التي يصفها الباحثون في العلوم السياسية بالشعبوية لازالت مستمرة، حيث إن الملاحظ في خرجاته أنها تتأرجح بين الدعوة والسياسة والنكتة. وفي هذا الصدد، يرى الشقير أن لغة بنكيران كانت دائما شعبوية وسهلة، يحاول من خلالها أن يعبر عن مواقفه بأسلوب يعتمد على التنكيت ومحاولة تصوير المشاهد، ليصل إلى أكبر عدد من المغاربة، موضحا أن خرجاته الأخيرة ركزت على الرد على منتقديه والدفاع عن حصيلته الحكومية التي يعتبر أنها جيدة، رغم الإكراهات التي كان يتعرض لها التي أفصح عن بعض منها، كما تحدث عن عمل رئيس الحكومة، فحسب المتحدث ذاته، فبنكيران بين طريقة عمل رئيس الحكومة وتعامل الوزراء معه، حيث كانوا يتجاوزونه ويتصلون بشكل مباشر بالملك وهو ما كان يشكل إحراجا له، وهو ما يريد أن يبين بنكيران من خلاله أن صلاحيات رئيس الحكومة تبقى محدودة ولا يستطيع ضبط وزرائه، يقول الشقير. الدفاع عن نفسه لم يكن يتوقع بنكيران أن موضوع المعاش الاستثنائي الذي حصل عليه بأمر من الملك سيثير عليه كل هذه الضجة والهجوم من طرف خصومه وحتى من طرف بعض أعضاء حزبه، حيث حاول هذا الأخير الدفاع عن نفسه من خلال ثلاث خرجات، الأولى كانت مع أعضاء الحزب، حيث استغل الفرصة للحديث عن كيفية حصوله على المعاش وتبسيط وضعيته المالية، وهي الخرجة التي جرت عليه انتقادات واسعة حتى من طرف المتعاطفين معه، هذا ما دفعه إلى تنظيم لقاء ثان خص به الصحافيين للحديث بشكل مفصل عن المعاش وتفاصيل الحصول عليه، لكن الأمور لن تذهب كما كان يتوقع هذا الأخير، فبعد أيام من تلك الندوة، ستسرب وثيقة تفيد أنه يحصل على معاش تكميلي آخر غير المعاش الاستثنائي، وهو ما دفعه للخروج مرة ثالثة للتكذيب، والتأكيد أنه يحصل فقط على معاش واحد وهو الذي منحه له الملك. وفي هذا الصدد، اعتبر الشقير أن “بنكيران استعمل شخصيته التواصلية للدفاع عن نفسه تجاه انتقادات مست شخصه، وشككت في قناعاته والركائز التي بنى عليها حزبه”، وزاد “أن اللقاء الذي جمع بنكيران مع الصحافيين يمكن الفهم منه أن هذا الأخير كان يريد التفصيل في الموضوع، وأخذ وقته الكافي للإجابة عن موضوع المعاش، وتبرير قبوله له، والرد على الانتقادات التي وجهت له في هذا الصدد”..