أعلنت أخيرا مجموعة “سافييك”، المشرفة على بناء مشروع المحطة الحرارية لمدينة آسفي، بعد تأخر في تسليم المشروع دام لأزيد من سنة، عن وجود تصدعات في رصيف الفحم الحجري للميناء الجديد، وخسائر أخرى قُدرت بملايين الدراهم وسط الورش والميناء الجديد. المجموعة قالت في بلاغ لها، أول أمس الأربعاء، إن مجلس إدارة شركة آسفي للطاقة، الذي عقد اجتماعا في 13 دجنبر 2018 بالدار البيضاء، أعرب عن ارتياحه للتشغيل التجاري للمحطة الحرارية لمدينة آسفي في 2018 بعد 49 شهرا من الأشغال. وأضاف البلاغ أن المحطة تندرج في إطار الاستراتيجية الوطنية التي ينفذها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والتي تهدف إلى تزويد المغرب بمصادر متنوعة لتوليد الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد وضمان التوازن بين العرض والطلب في المنظومة الوطنية للكهرباء بأقل تكلفة، وفي إطار احترام البيئة”. وكانت مجموعة “سافييك”، التي تشرف على إنجاز المحطة الحرارية، من خلال تكتل شركات متعددة الجنسيات وهي شركة “أنترناشيونال باور” من بريطانيا وشركة “ناريفا هولدينغ”، التابعة للهولدينغ الملكي المغربي، و”أو دي إف أنترناشيونال” من فرنسا، ثم “تشاينا دتانغ كوربورايشن” من دولة الصين، قد فشلت مرات عدة في تسليم المشروع في الوقت المتفق عليه، أيّ سنة 2018. وكان وزير النقل واللوجيستيك، عبد القادر اعمارة، قد حل لتفقد الميناء الجديد لآسفي، حيث طالب ب”تدارك التأخر”، بعدما كشف مكتب للدراسات، تابع لشركة “SGTM”، عن وجود عيوب وشقوق ضخمة في رصيف الفحم الحجري، الذي يبلغ طوله 286 مترا وبعمق 16.5 مترا، وهو الأمر الذي تسبب في تأخر جديد عن موعد التسليم النهائي للمشروع وسبب ارتباكا شديدا لمجموعة “سافييك” المكلفة ببناء مشروع المحطة الحرارية التي تنتظر مدها بشحنات من الفحم الحجري عبر الميناء الجديد. مصادر من داخل الميناء الجديد قالت ل”أخبار اليوم”، إن الخسائر قدرت بأزيد من 600 مليون درهم، فيما لم يكشف الوزير اعمارة أثناء زيارته عن المسؤوليات بخصوص الخسائر والتأخر، غير أنه ذكر حينها أن الأشغال بالميناء وصلت إلى 89 في المائة. مشروع اعتبرته الحكومة أكبر استثمار أجنبي من نوعه بالمغرب، حيث اعتلت فيه الشركات منصب السلطة واستولت على كل شيء.. “أخبار اليوم” قامت بتحقيق مفصل حول هذا المشروع منذ مرحلة إنجازه، وتعيد تركيب القصة الكاملة. أكباش تُذبح يصطف العشرات من الأطر وخبراء الهندسة في صف طويل بملامحهم الآسيوية، ينظرون بإمعان وذهول إلى رجلين يرتديان جلابيب بيضاء ويهمون بنحر الكبش الأول، بينما الكبش الثاني يمسكه من قرنيه شابان يعتمران خوذات وسترات يُوحيان بأنهما من العمال، يحدث هذا داخل ورش بناء مشروع المحطة الحرارية لآسفي، حوالي 9 كلم جنوبالمدينة. كان الحدث إهداء “القربان”، وهو واحد من الطقوس البالية الموجودة في الأساطير البشرية، حيث كان البعض من الطوائف البشرية يلجأ إليها خوفا من غضب الطبيعة أو من أجل “طرد النحس”، كما يُقال هنا. “النحس” الذي لاحق المسؤولين عن إنجاز مشروع المحطة الحرارية منذ بداية الأشغال، حيث شهد المشروع حوادث شغل أودت بحياة 9 عمال وإصابة العشرات، وانهيارات ضخمة برصيف الفحم الحجري للميناء التجاري الجديد، والتي أدت إلى تأخر تسليم المشروع في وقته المحدد. “هناك شيء ما غير عادي يحدث داخل هذا المشروع”، يقول أحد المستخدمين لدى إحدى شركات التدبير المفوض داخل مشروع المحطة الحرارية، بينما كان ينتظر الحافلة، مضيفا ل”أخبار اليوم” إن المسؤولين في شركة “داييو” الكورية الجنوبية للهندسة أيقنوا أنهم كلما تقدموا خطوة إلى الأمام وجدوا أنفسهم في خطوة إلى الوراء، لذلك قرروا تقديم “الأكباش” كقربان وجاؤوا بفقهاء، الذين اقترحوا عليهم ممارسة هذه “الطقوس”، “باش الله يسخر ليهم”، هكذا يروي “هشام”، وهو متردد في الحديث إلينا، مضيفَا “بعد عدة حوادث داخل المشروع كان العديد من زملائي العمال يلتقطون الصور لأشياء مختلفة وتنشر على موقع الفايسبوك (..) لكن مسؤولي الشركة منعوا التصوير والحديث إلى الصحافيين، فإذا اكتشف أي أحد يقوم بذلك، يُطرد فورا من العمل”. بزوغ “الأخطبوط”.. بالعودة إلى مجموعة “سافييك” المكلفة ببناء مشروع المحطة الحرارية لآسفي، باستثمار بلغ 23 مليار درهم، فهي مجموعة حديثة النشأة ضُمت في شبه “شركة موحدة”، بعدما حطت بآسفي كبار الشركات متعددة الجنسيات “المتهافتة” على عروض “الطاقة الأحفورية”، وهي شركة “أنترناشيونال باور” من بريطانيا وشركة “ناريفا هولدينغ” التابعة للهولدينغ الملكي المغربي و”أو دي إف أنترناشيونال (إنجي حاليا)” من فرنسا، ثم “تشاينا دتانغ كوربورايشن” من دولة الصين. هذه المجموعات باتت منذ إنطلاق المشروع تحت غطاء ما يُسمى ب” سافييك”، وهي بدورها تتعاقد مع عدة شركات أخرى في مجال التدبير المفوض من أبرزها شركات جلب العمال. الشركة المذكورة أبرمت بدورها صفقات “تمويلية” مع بنكيين مغربيين، وهما “التجاري وفابنك” التابع للهولدينغ الملكي و”البنك الشعبي” المملوك للخواص والدولة، إضافة إلى بنك اليابان للتعاون الدولي من خارج المغرب. تم توقيع اتفاقية “شراء وتوريد الكهرباء” من خلال محطة آسفي لمدة 30 عاما بين (المكتب الوطني للكهرباء والماء) ومجموعة “سافييك”، على أن يتم بناؤها من قبل شركة “دايو” الكورية الجنوبية للهندسة، بغرض إنتاج 1386 ميكاواط من الكهرباء مقسمة إلى شطرين، وستستقبل محطة آسفي ما يزيد عن 3 ملايين طن من الفحم الحجري سنويا عبر الميناء الجديد. وتفيد معطيات “أخبار اليوم” أن معدل إنتاج الكهرباء المحصل عليه من المحطة الحرارية لآسفي، ستقوم مجموعة “سافييك” ببيعه للمكتب الوطني للكهرباء والماء على مدى 30 عاما، وفقا للعقد الذي جمع الطرفين، وذلك باعتماد نظام الإنتاج المستقل (IPP). عمر الزيدي، عضو الائتلاف المغربي من أجل العدالة المناخية، يقول إن المغرب أهدى طبقا من ذهب للشركات متعددة الجنسيات، حيث إنه تخلى عن “السيادة الطاقية”، مشيرا إلى أن ثمن بيع الكهرباء من المجموعات الكبرى للمكتب الوطني للكهرباء، قد يكلف المغرب والمغاربة دفع أضعاف الأسعار الحالية المتعلقة باستهلاك الكهرباء.
“إنجي” الفرنسية “من الخيمة خرج مايِل..” قبل أن تُبدل جلدها، أيّ اسمها بعد فضائح أوراق “بنما”، التي تضمنت اسم شركة “أو دي إف أنترناشيونال”، التي باتت تُسمى الآن “إنجي”، كشفت الوثائق أن المجموعة الفرنسية، التي تُعد الآن، إحدى أكبر المجموعات الطاقية المساهمة في بناء المحطة الحرارية لآسفي بقيمة 35 في المائة، أنها وفرت عشرات الملايين من اليورو باستخدام ثغرات ضريبية في أستراليا، وكشفت وثائق بناما من خلال “مونتاج سري” لملايين الوثائق، أن شركة “إنجي” التي فازت بالمناقصة الطاقية حول مشروع آسفي للمحطة الحرارية، قد تكون تورطت في مشروع آخر اسمه “سالمون”. وذكرت الوثائق، التي تناوبت على نشرها كل من جريدتي “لموند الفرنسية” و”الغارديان البريطانية”، أنه في الفترة ما بين 19 و25 يونيو من عام 2012، جرى تنفيذ العشرات من المعاملات المالية بين 30 شركة تابعة للمجموعة الفرنسية، توجد مقراتها بكل من أسترالياوبريطانيا وهولندا، وهذه المعاملات لم تقدم على إثرها “إنجي” أيّ رقم ضريبي، وبدا ذلك كما لو أن عصا سحرية هبت على الأرقام الحسابية، حيث جرى حذف أزيد من 1 مليار دولار كانت مسجلة ضد الشركة ك”ديون” داخلية وضرائب بين الشركات التابعة لها. بداية فرض “الهيمنة” بدأ السيناريو من الجماعة القروية المجاورة للمشروع، جماعة “ولاد سلمان” قيادة منطقة خط أزكان، وحدث ذلك قبل عام 2008، حيث كان للمجلس القروي للجماعة على موعد مع دورة غير عادية سيعقدها المجلس الجماعي للتداول في شأن “إحداث مشروع محطة حرارية تعمل بالفحم الحجري”، وبدون أن يتكبد المكتب الوطني للكهرباء عناء إرسال مسؤوليه إلى الجماعة لإقناعها بالمشروع، استدعى مكتب علي الفاسي الفهري (المقال من طرف الملك محمد السادس)، رئيس الجماعة آنذاك “عبدالرحيم بومهد” إلى المقر العام للمكتب لإخباره بموضوع توطين المحطة الحرارية. وحين عودة رئيس الجماعة إلى منطقته عقد دورة غير عادية. إذ بدا رئيس الجماعة مدافعا عن المشروع أمام بقية المستشارين والنواب وأعضاء المجلس. ووفقا لمحضر الدورة تتوفر “أخبار اليوم” على نسخة منه، فإن رئيس المجلس وأعضاءه توصلوا بنية المكتب الوطني للكهرباء إحداث محطة حرارية دون مدهم “بدراسة الآثار البيئية والاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن هذا المشروع”، ورغم ذلك أراد منهم مكتب علي الفاسي الفهري التوقيع على قبول المشروع في المنطقة. يبين محضر الدورة تدخلات أعضاء المجلس، والتي أفاد عدد منهم من خلالها أنه من الصعب البت في الموضوع دون الإطلاع على دراسة تقنية تبين عدم وجود أخطار على البيئة، بينما ذهب آخرون إلى الحديث عن الانعكاسات السلبية حول البيئة في حالة إنجاز المشروع. بعد أخذ ورد، تقرر رفض بناء مشروع المحطة الحرارية في منطقة “ولاد سلمان”، وإحداث هذا المشروع في منطقة الجرف اليهودي Saint Daniel، وبما أن المسافة بين منطقة “ولاد سلمان” و”الجرف اليهودي” ليست بعيدة، فقد اشترط مجلس جماعة “ولاد سلمان”، بعد موافقته على المشروع، على المكتب الوطني للكهرباء، توفير عدة خدمات للمنطقة كان من أبرزها، تشغيل الشباب وربط 29 دوارا بالشبكة الكهربائية وإعفاء الجماعة من الديون السابقة المترتبة عن تزويد دواوير الجماعة بالكهرباء وفقا لاتفاقيات الشراكة الموقعة بين الجماعة والمكتب الوطني للكهرباء. وبعد وصول مجموعة “سافييك” إلى ورش البناء وبداية عملها، انقلب كل شيء رأسَا على عقب، إذ لا شيء من تلك الوعود تحقق، حينها كان المكتب الوطني للكهرباء قد انتهت مهمته ووجدت الجماعة القروية وأهل آسفي أنفسهم وجها لوجه مع المجموعة العملاقة “سافييك”. من يسعى إلى “اللعب” بالنار؟ في خضم هذا التحقيق، نكتشف واحدا من أخطر أعمال “الاشتغالات الكميائية”. فأثناء إنجاز المحطة، فوجئ عدد من المهندسين المتخصصين الذين اشتغلوا أو أولئك الذين لازالوا يشتغلون داخل ورش مشروع المحطة الحرارية لآسفي، بما تُقدم عليه “سافييك” بناء على تعليمات من الإدارة. حيث تُلزم “سافييك” المهندسين باستخدام معدلات كبيرة من غاز “الأمونياك” بنسبة مئوية كاملة، أيّ مائة في المائة. بعيدا عما هو تقني، حيث يبدو كل شيء إلى الآن عاديا، فإننا إذا تعمقنا أكثر في مادة “الأمونياك” سنجد أنها عبارة عن غاز قابل للاشتعال على درجات بسيطة من الأوكسجين، بإمكان ذلك أن يؤدي إلى كارثة بيئية خطيرة داخل المحطة الحرارية، إذا لم يتقيد العمال والأطر باحتياطات بالغة الدقة. مهندسون من داخل “سافييك” أسروا ل”أخبار اليوم” أن العمل بهذه المادة لا يجب أن يتجاوز 20 في المائة من نسبتها لاستخدامه في إنتاج “الكهرباء” كواحد من المكملات الكميائية لحرق الفحم الحجري، مع ضرورة وجود ثلاثة صمامات أمان على الأقل. لكن المثير هنا أن “سافييك” تعمل بصمام أمان واحد مع معدل من تركيز غاز “الأمونياك” يبلغ مائة في المائة. وبحسب خبراء في المجال، التقتهم “أخبار اليوم”، أوضحوا للجريدة في تصريحات متفرقة أن العملية التي تُقدم عليها “سافييك” لها أضرار على البيئة أكثر من أي انبعاثات أخرى، بحيث أن تركيز “الأمونياك” بشكل مفرط يفرز “أكسيدات الأزوط” السامة. وللتأكد من معايير استخدام “الأمونياك”، نلجأ إلى قاعدة المعطيات الدولية المتعلقة ب”وثائق توكسي إكولوجيك”، حيث تورد في هذا الإطار معدلات مضبوطة من استخدام غاز “الأمونياك” لا يجب تجاوزها، هذه المعايير تلزم دول “الاتحاد الأوروبي” و”الولايات المتحدة الأمريكية” و”المملكة المتحدة”، حيث لا يتجاوز أعلى معدل الاشتغال ب” الأمونياك” نسبة 36 في المائة وفقا لوحدة (mg/m3)، فكيف وصلت “سافييك” إلى معدل مائة في المائة للاشتغال بهذه المادة؟ ظل “طارق” (اسم مستعار)، وهو إطار مهندس متخصص، يشتغل داخل ورش مشروع المحطة الحرارية لآسفي متخوفا من طريقة سير العمل التي يفرضها مدير “سافييك”، إضافة إلى الشروط المتوفرة، إذ كلما زادت أيام اشتغاله داخل ورش المشروع، يتأكد بوجود مؤشرات خطيرة. ويوضح “طارق” أن الغاية من تقليص صمامات الأمان ورفع وتيرة تركيز “غاز الأمونياك” من طرف مسؤولي المجموعة، هي الربح المادي، حيث إنّ إنشاء كل صمام أمان على حدة يُكلف الشركة مبالغ مالية ضخمة، لذلك تكتفي بإنشاء واحد مع تركيز نسبة غاز “الأمونياك” كاملة على صمام وحيد، عوض توزيع النسبة على عدة صمامات. ويوضح المتحدث ذاته أن “الأمونياك” ليس بالشيء الهَيِّن، والتعامل معه يفرض الكثير من الحذر، خصوصا إذا ما تحدثنا عن استعماله بغاية التفاعل مع مواد كيمائية أخرى، باعتباره شديد الذوبان في الماء. ويشكل محلولا يعرف باسم “هيدروكسيد الأمونيوم”، كما أنه غاز أخف من “الهواء” وحتى أنه لا رائحة له. ووفقا لهذه الظروف الخطيرة، تقول مصادر “أخبار اليوم”، إن عددَا كبيرا من المهندسين قدموا استقالتهم لمدير مجموعة “سافييك” نورالدين الصغير، وهو الذي كان يُدير المحطة الحرارية لمدينة القنيطرة عن المكتب الوطني للكهرباء، خوفا من حدوث الأسوأ. مغامرة إلى الموت.. واحد من هؤلاء المهندسين، الذين قدموا استقالتهم من ورش المحطة الحرارية، طلب عدم الكشف عن اسمه، أفاد ل”أخبار اليوم” أن درجة المخاوف وصلت إلى مستويات غير مسبوقة داخل الورش، “فعندما يتعلق الأمر بشروط السلامة، فإننا نجد أنفسنا في “مغامرة إلى الموت”. ورغم عدد الوفيات الذي بلغ 9 في صفوف العمال البسطاء، إضافة إلى الأخطار التي باتت تهددنا، وقد نتحمل مسؤوليتنا الأخلاقية والقانونية تجاهها إذا ما تغاضينا عنها، فقد استمررنا في العمل أملا في تحسين الظروف، لكن الأوضاع كانت تزداد سوءا”، يقول المتحدث ذاته. وقفت “أخبار اليوم” في زيارة ميدانية للورش، على وجود حوالي 10 آلاف متر مربع من البناء العشوائي داخل المحطة الحرارية، وكل ذلك خلافا لدفتر التحملات والاتفاقيات الموقعة بين مجموعة “سافييك” والمكتب الوطني للكهرباء والماء. بناء عشوائي ومستنقعات ضخمة تبدو في غاية التلوث، كلها تجمعت أمام مدخل، وفي جانب المحطة الحرارية، وكذلك وسطها. ونتيجة للأبنية العشوائية شرعت إحدى الشركات المكلفة بالنظافة داخل المشروع، والتي حظيت، أيضا، بصفقة تدبير الحدائق العمومية في المدينة، برمي آلاف الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي في أراضي فلاحية جوار المشروع، وتكررت العملية نفسها عدة مرات إلى أن وقف أهل الدواوير المجاورة بمنطقة “ولاد سلمان” أمام شاحنات الشركة، منددين بما تُقدم عليه الشركة. بينما كان يُفترض أن يضغط المكتب الوطني للكهرباء على مجموعة “سافييك” للالتزام بالقواعد والإجراءات المحددة، فقد تخلى مسؤولو المكتب عن مهامهم المنوطة بهم، إلى هنا يقول أعضاء المكتب التنفيذي للجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان في تصريحات متفرقة، إن مكتب الكهرباء ومنذ بداية أعمال “تجاريب” حرق الفحم بالمحطة الحرارية تأخروا في تثبيت وحدة لقياس التلوث، رغم أن المعطيات المتوفرة تؤكد على ضرورة تثبيتها قبل الشروع في العمل والتجاريب. فلأول مرة في تاريخ آسفي الصناعي، ومنذ توطين المركب الكيماوي للفوسفاط عام 1972 بجنوبالمدينة، بدأت تصل الروائح والانبعاثات السامة إلى بعض الأحياء السكنية وسط المدينة وشمالها، حيث عرف سكان آسفي في العشرية الأخيرة، مع تنامي الزحف العمراني والكثافة السكنية، انبعاثات الفوسفوريك من مصنع الفوسفاط، حيث ظلت الأحياء الجنوبية والقريبة منها شرقا وغربا، تُعاني من الانبعاثات. لكن مع توطين المحطة الحرارية وبداية تجارب حرق الفحم الحجري منذ عام 2017، وصل غبار وروائح حرق الفحم الحجري المحملة بجزيئات “الزرنيخ” الخطيرة إلى الأحياء الشمالية ووسط مدينة آسفي (عزيب الدرعي – المدينةالجديدة – إلى أبعد منطقة في الشمال سيدي بوزيد) ويُفسر خبير متخصص في المجال الكيماوي ل”أخبار اليوم”، رفض الكشف عن صفته واسمه، وصول هذه الانبعاثات بعلو مدخنة “المحطة الحرارية” التي تناهز 200 متر، متجاوزة عشرات المدخنات الموجودة لدى المكتب الشريف للفوسفاط، فهي عندما ترمي “الغازات”، وفقا لما يقول المتحدث ذاته، تقذفها بعيدا إلى وسط المدينة أحيانا، متجاوزة المناطق السكنية القريبة للمصنع، مشيرا إلى أن ذلك التجاوز لا ينفي عدم تلوث المناطق الفلاحية والساكنة القريبة. الخروج عن الطريق في اثنين من أعدادها المتفرقين، ذكرت مجلة “جون أفريك”، التي يُقال عنها مقربة من مراكز القرار في المغرب، إن علي الفاسي الفهري، المدير العام للمكتب الوطني للماء والكهرباء (سابقا) هو واحد من رجالات “المخزن”. وأن الإعفاء الذي طاله في الآونة الأخيرة سببه أنه اقترف من الزلات ما يكفي لتوديعه. بالرجوع إلى المكتب الوطني للكهرباء، وفي عهد مديره المُقَال، وضع أمام الشركات المهتمة بنقل حمولة الفحم الحجري من ميناء الجرف الأصفر صوب المحطة الحرارية، ومن المحطة الحرارية صوب مكان طمر رماد الفحم، دفتر تحملات مكون من 46 صفحة، حصلت “أخبار اليوم” في معرض هذا التحقيق على نسخة منه، يضم هيكلة للجرد وطريقة إعداد الفواتير والميزانية، تضمن شروط ملزمة للشركة الفائزة بصفقة النقل، وأبرزها المسلك الرئيس الذي يجب أن تمر منه الشاحنات المكلفة بنقل مادة “الشاربون”. يُوضح الرسم البياني الخاص بدفتر تحملات المكتب الوطني للماء والكهرباء، أنه من المفترض على الشاحنات أن تمر خارج مدينة آسفي، بعيدا عن المناطق الآهلة بالسكان، باعتبارها تنقل مادة “الفحم الحجري” وهي مادة خطيرة، من شأنها أن تسبب في خطورة بالغة على السكان، ولا سيما إذا تطاير الفحم. دفتر التحملات يصر على أن تمر الشاحنات من خلال جماعة “ثلاثاء بوكدرة”، مرورا على جماعة خط أزكان، وصولا إلى المحطة الحرارية. لكن المثير أن هذه الشاحنات كما تُعاين “أخبار اليوم”، أنها تمر من وسط مدينة آسفي، وبالضبط من شارعها الرئيس وسط كثافة سكنية، كما يتطاير الفحم الحجري وسط المدينة دون مبالاة من المسؤولين. وعن هذا قال عمدة مدينة آسفي عبدالجليل البداوي ل”أخبار اليوم”، لن أسمح بمرور الفحم الحجري من المدار الحضري.. هذا ما جرى الاتفاق عليه مع المسؤولين عن مشروع المحطة الحرارية”، لكن تبين لاحقا أن العمدة قال كلاما يُناقض الواقع، حيث لاتزال شاحنات الفحم تمر من وسط المدينة إلى اليوم. مليارا سنتيم للعمدة، مقابل شاحنات “الشاربون” لم تفهم ساكنة منطقة “خط أزكان”، ضواحي آسفي وبجوار المحطة الحرارية، كيف تحولت ميزانية صفقة شراكة بين “سافييك” والجماعة القروية” بمبلغ “ملياري سنتيم” كانت مخصصة للجماعة القروية لتنميتها وربطها بالمسالك الطرقية وتعزيز شبكة الماء والكهرباء بها وترميم البنيات التحتية من طرف الشركة، باعتبار أن المشروع الطاقي يقع فوق ترابها، (تحولت) إلى يد عامل مدينة آسفي الحسين شينان، الذي بدوره مررها إلى المجلس البلدي، وجرى إمضاء الصفقة مع “سافييك” تحت بنود مثيرة وغريبة، تضمنت “سرية الصفقة” في البند 9 منها، وهو ما اعتبرته فعاليات مدنية يتناقض مع دستور المملكة وشفافية الصفقات العمومية. وتلزم الصفقة الموقعين عليها بعدم إفشاء مضامينها للغير. ومما جاء في البند المثير للجدل أن “الوثائق والمعلومات بين الأطراف تُستخدم في إطار تنفيذ مشروع تهيئة شارع الحسن الثاني بتعهد كل طرف باتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل الحفاظ على سرية الوثائق والمعلومات المحصل عليها من الطرف الآخر، وعدم الكشف عنها للأغيار دون موافقة خطية صريحة من الطرف الآخر، وستبقى مقتضيات هذه المادة سارية المفعول حتى بعد انتهاء أو فسخ هذه الاتفاقية”، مقابل أن يستفيد المجلس البلدي من مبلغ ملياري سنتيم. من جهته، قال عبدالجليل البداوي، عمدة آسفي، ل”أخبار اليوم”، إن الصفقة المذكورة ليس لها علاقة بمرور شاحنات الفحم الحجري، لكنها ستمر من خارج المدار الحضري، وتحدث البداوي عن الصفقة باعتبارها تهدف إلى ترميم وإصلاح شارع الحسن الثاني الرئيس في المدينة”، وتبين لاحقا أن الشارع موضوع الإصلاح، هو الشارع ذاته الذي تمر منه اليوم، شاحنات الفحم الحجري”. الفحم الحجري يتناثر في شوارع آسفي هل تعرض بنك اليابان للتعاون الدولي للتحايل؟ في سنة 2014، وفي خضم الاحتجاجات المناهضة لمشروع المحطة الحرارية، التي أطلقها عدد من النشطاء في المدينة، وانخرطت فيها هيئات ومنظمات وأحزاب سياسية، كان لدى “بنك اليابان للتعاون الدولي” عدة لقاءات مع هيئات من المجتمع المدني في اليابان، بغرض دراسة موضوع تمويل البنك لإنشاء مشروع محطة حرارية تعمل بالفحم الحجري في مدينة آسفي، ووفقا لسياسة هذا البنك، فإنه يمنع إعطاء أيّ تمويل مالي لأيّ مشروع يناقض سياسته المتعلقة بالحفاظ على البيئة وعدم دعم الطاقة الأحفورية أو أيّ مشروع، من شأنه أن يكون هو ذاته مُعترض عليه. ولايزال البنك ذاته فاتحا أبواب الاعتراض لديه بشكل مباشرة من طرف الهيئات والأشخاص المتضررين من المشاريع التي يُمولها البنك، في موقعه الرسمي على الإنترنيت، الذي نشر فيه ما سمّاه ب”أخلاقيات العمل المهنية للبنك”. في خضم تلك المشاورات واللقاءات التي انعقدت بمقر المركزي للبنك في اليابان حول مشروع “آسفي”، استدعى البنك مركزَا يُدعى “مركز اليابان للبيئة والتنمية المستدامة”Japan Center for a Sustainable Environment and Society (JACSES)، حيث عقد لقاء مع المسؤولين في البنك، إضافة إلى المكلف بملف تمويل مشروع المحطة الحرارية لآسفي داخل البنك. “أخبار اليوم” توصلت آنذاك برسالة بريد إلكترونية، تفيد أن مجموعة “سافييك” كانت حريصة على إخبار المسؤولين في البنك، بأن الاحتجاجات، آنذاك، التي كانت في آسفي، لم تكن ضد المحطة الحرارية، وإنما هي احتجاجات روتينية تعرفها المدينة منذ سنوات ضد “المركب الكيماوي للفوسفاط” (OCP). وبعدها، سنتوصل برسالة بريد من المركز الياباني للبيئة والتنمية المستدامة، يبلغنا المركز هنا بقيمة التمويل الذي سيحوله البنك إلى مجموعة “سافييك”، والذي حُدد في 2,107 مليون دولار، إضافة إلى موعد إجراء لقاء تشاوري، والذي سيأتي كما تبين الرسالة في 16 من أكتوبر سنة 2014. ويبين البريد، الذي وصلنا آنذاك مباشرة بعد نهاية أحد اللقاءات مع مسؤولين في البنك والمركز الياباني للبيئة والتنمية المستدامة، كيف أن بنك اليابان للتعاون الدولي وجد صعوبة في الاقتناع بالاحتجاجات المناهضة لمشروع المحطة الحرارية. مطالب بفتح تحقيقات في صفقات مشبوهة المعطيات المتضاربة التي توصلت إليها “أخبار اليوم” في معرض هذا التحقيق، لم تجد إلا جدارا سميكا من الصمت تضربه مجموعة “سافييك”. إذ إن مسؤوليها ومديرها الحالي، أغلقوا جميعا الهواتف، ورفضوا الإجابة عن الرسائل الإلكترونية التي بعثنا لهم بها. “يونس سنوسي”، مدير التواصل بمجموعة “سافييك”، حاولنا الوصول إليه من أجل أخذ رأي الشركة في عدة مواضيع، لكنه أصر على عدم الرد على اتصالاتنا المتكررة. بدوره، مدير المجموعة “نورالدين الصغير”، مضى على نهج زميله. في المقابل جرى تشغيل عدد قليل من شباب آسفي، خاصة من منطقة أولاد سلمان، التي يقع المشروع في ترابها، ويبقى ذلك عكس الانتظارات ووعود المسؤولين للساكنة والجماعة، لكن المجموعة الكورية الجنوبية “دايو للهندسة والبناء”، جلبت ما يفوق عن 200 عامل من دولة الفيليبين، أعادت منهم إلى بلدانهم الأصل 4 عمال في صناديق الموتى. وقد تبين لاحقا أن الهدف من وراء ذلك، هو جلب يد عاملة رخيصة، فهؤلاء العمال ومعهم المغاربة كانوا يعملون ساعات طويلة ويتم تكديسهم في سلاليم ضيقة. وفي تصريحات متباينة لعدد من العمال قالوا إن: “السلطات المحلية ومندوبية وزارة التشغيل زارتا العمال، وسجلتا بأننا نشتغل بدون عقود عمل، ولا تغطية صحية، ولا ضمان اجتماعي، ومع ذلك لا أحد أجبر الشركة الكورية على احترام قانون الشغل والالتزام ببنود دفتر التحملات”. وللتخفيف من حدة المسألة المتعلقة بالبطالة في آسفي، لجأ وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية السابق، عبدالسلام الصديقي، في شهر نونبر من العام الماضي، إلى التعهد كتابيا أمام سلطات مدينة آسفي بتشغيل 4500 من أبناء المدينة في المحطة الحرارية ومشروع الميناء الجديد. وفي هذا السياق، يقول عبدالإله الخلفي، أحد ساكنة جماعة “ولاد سلمان” وفاعل جمعوي، إنه منذ توطين هذا المشروع لم تر الساكنة جراءه إلا “الجحيم” والمعاناة، فبعدما كان أهل المنطقة يعيشون على الفلاحة وتربية المواشي، لم يعد لديهم الآن أي شيء”، وأضاف المتحدث “عندما جاء مسؤولو “سافييك” والمكتب الوطني للكهرباء قبل الشروع في بناء المشروع، قدموا لنا وعودا بالإدماج وتنمية المنطقة وتشغيل الشباب، لكن لا شيء من ذلك تحقق”. ومضى المتحدث ذاته قائلا: “إن كل ما جاء في دراسة تُقيم الآثار الاجتماعية والتنموية التي أنجزها المكتب الوطني للكهرباء ومجموعة “سافييك” حول المنطقة والمشروع، بقي فقط، حبرا على ورق، إذ لا شيء منه تحقق. المنطقة اليوم، تعيش الكساد بسبب هذا المشروع”. أما “ميلود جهيرة”، فلاح وأحد ملاك الأراضي التي أقيم عليها مشروع المحطة الحرارية، فقد ذكر أن المكتب الوطني للكهرباء ووزارة التجهيز ومجموعة سافييك، “خدعوا” الساكنة، حسب تعبيره، وأخذوا أراضيهم عنوة، بأثمنة جد منخفضة، وتابع قائلا: “لقد حجزوا أراضينا الفلاحية ووضعوا في صندوق المحكمة المبلغ الذي أرادوه هُم.. لكنني لازلت موجودا بما تبقى لديّ من أرض، ولن أرحل إلا بعد تسوية كل الأمور”. وأضاف “جهيرة” إن معاناتنا ازدادت بعد توطين هذا المشروع، وهذا ليس ما كنا نتوقعه قبلا. “اليوم، يتطاير علينا رماد الفحم، الأمر الذي جعلنا نحذف أنشطتنا الفلاحية ونتخلى عن تربية المواشي، مذ أُقيم هذا المشروع على أراضينا”.