خصص الملك محمد السادس جزءا مهما من خطابه الأخير، بمناسبة عيد العرش، لتسليط الضوء على أزمة الركود التي يعانيها الحوار الاجتماعي في المغرب، والناتج عن الفجوة المتفاقمة بين حكومة العثماني والمركزيات النقابية منذ أزيد من سنة، بعد رفض النقابات العرض الحكومي القاضي بإخراج مطالب الشغيلة، والذي وصف من قبلهم ب”المهين والمتقشف”. الملك، وبمناسبة 19 سنة من جلوسه على العرش، دعا الفرقاء الاجتماعيين إلى ضرورة الجلوس على طاولة الحوار، و”استحضار المصلحة العليا، والتحلي بروح المسؤولية والتوافق، قصد بلورة ميثاق اجتماعي متوازن ومستدام، بما يضمن تنافسية المقاولة، ويدعم القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة بالقطاعين العام والخاص”. كما شدد على أن “الحوار الاجتماعي واجب ولا بد منه، وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع”، مطالبا الحكومة بضرورة “أن تجتمع بالنقابات، وتتواصل معها بانتظام، بغض النظر عما يمكن أن يفرزه هذا الحوار من نتائج”. الحكومة هي السبب.. في هذا السياق حمّل ميلود موخاريق، الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، مسؤولية تعثر الحوار لحكومة العثماني التي “لا تجلس حول طاولة الحوار للتفاوض إلا بعد تفاقم الأزمة”، على حد تعبيره. وأكد موخاريق، على ضوء الندوة الختامية الأولى لبرنامج “النهوض بالحوار الاجتماعي في جنوب المتوسط”، التي احتضنها قصر المؤتمرات بمراكش الثلاثاء الماضي، بحضور وزراء العمل والمنظمات النقابية ومنظمات أصحاب العمل والمجالس الاقتصادية والاجتماعية، أن “التنمية المستدامة والحوار الاجتماعي هي معركة طويلة وشاقة من أجل الديموقراطية “، مشيرا إلى أن “استمرار تدهور الحال في المغرب، وتعطيل الحوار الاجتماعي وغياب المأسسة وتعثر نماذج التنمية المستدامة اقتصاديا واجتماعيا قد يفاجئ الحكومات وصناع القرار بردود فعل اجتماعية عنيفة ورافضة، فكل شيء له ثمن”. وأوضح أمين عام الاتحاد المغربي للشغل، في تصريح ل”أخبار اليوم”، على هامش الندوة، أن “حكومة العثماني تتحمل مسؤولية تعطيل آليات الحوار الاجتماعي، بدليل أنها تجاهلت جولة شتنبر للحوار الاجتماعي والتي لم تعقد بعد، وبالتالي، واضح أنها المسؤولة عن تعثر الحوار الاجتماعي”، مضيفا: “لقد أبدينا مرارا استعدادنا الجدي للتفاوض والحوار مع الحكومة لتجاوز حالة الركود التي أشار إليها ملك البلاد، وبصفتنا ممثلين للفئة العمالية والشغيلة، أعلنا استعدادنا للجلوس على طاولة التفاوض لنجد صيغة توافقية، ولكن للأسف لم يحصل أي شيء”. خصوصية مغربية.. وزير الشغل والإدماج المهني، محمد يتيم، وعلى عكس النقابات الحاضرة التي استنكرت تعثر الحوار الاجتماعي، كان متفائلا أمام الحاضرين بمن فيهم وزير التشغيل التونسي، ونظيره الأردني، مذكرا بأن المغرب وضع إطارا قانونيا ومؤسساتيا لتكريس “فضيلة الحوار”، معتبرا أن المغرب “راكم تجربة غنية في مجال الحوار الاجتماعي، الذي أصبح يحظى باهتمام كبير من لدن السلطات العمومية والمنظمات النقابية. هذه الأطراف الثلاثة أضحت أكثر اقتناعا وإرادة لبناء التوافقات الاجتماعية”. وتابع وزير الشغل قائلا إن: “البرنامج الحكومي أكد على ضرورة بلورة ميثاق اجتماعي يحدد مختلف الأطراف والتزاماتهم بهدف تطور العلاقات المهنية”، وشدد الوزير على أنه سيستلهم من ميثاق الحوار الاجتماعي الذي أصدره برنامج “صوليد” التابع للاتحاد العربي للنقابات، “ميثاقا جديدا يتناسب مع الخصوصيات المغربية لتكريس ثقافة الحوار والتشارك وتحديات التشغيل ومنافسات المقاولة. واعتبر محمد يتيم، على أن المغرب في حاجة إلى ثقافة اجتماعية جديدة تتجاوز معطيات الثقافة الاجتماعية للقرن 19، والتي كانت مبنية على أساس طبقي، قائلا: “اليوم، هناك معطيات جديدة وثقافة وممارسة جديدة. يمكننا السير في ثقافة حوارية. هذا تصورنا، وهذه لعبتنا ونتفاعل معها”. تسلل واضح لبنشماش وفي خضم التجاذب بين النقابات العمالية، وحكومة العثماني، تسلل حزب الأصالة والمعاصرة، ليدخل على خط حالة الجمود التي يعرفها الحوار الاجتماعي في المغرب من خلال إعداد مقترح قانون، يقضي بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي. حزب بنشماش، تقدم بمقترح قانون يقضي بإحداث المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، يسعى من خلاله إلى “تعزيز النمو الاقتصادي، وتوفير شروط العمل اللائق للجميع، ومقومات العيش الكريم، ويؤمن الانتقال إلى نموذج تنموي مستدام، منصف، وشامل، لإرساء دعائم العيش المشترك في كنف مجتمع متضامن”. ويهدف مقترح القانون في بعده الاستراتيجي، حسب المذكرة التقديمية، إلى “وضع منظومة جديدة للحوار الاجتماعي، باعتباره آلية أساسية للديمقراطية التشاركية والاجتماعية، ومدخلا للمصالحة المطلوبة بين الدولة، والمجتمع، وكأحد مرتكزات الوساطة والعدالة الاجتماعية، والسلم، والاستقرار، والتوازن الاجتماعي، والتنمية المستدامة”، كما سيمكن “من خلق بيئة، ومناخ موات، لتعزيز، وتطبيق الاستدامة الدورية لحوار اجتماعي شامل، وديناميكي، ومؤسسي”. وسيتولى المجلس الوطني للحوار الاجتماعي، مع مراعاة الاختصاصات الموكولة إلى المؤسسات، والهيآت بموجب النصوص التشريعية، والتنظيمية، الجاري بها العمل، “تنظيم، وتطوير الحوار الاجتماعي في القضايا الاجتماعية، والمهنية، ذات الاهتمام المشترك بين الأطراف الاجتماعية الثلاثة، في إطار يضمن ديمومة الحوار، وانتظامه، ويدعم علاقة التكامل بين الحقوق العمالية، والتنمية الشاملة”. وفي الوقت الذي ثمنت فيه النقابات خطوة بنشماش وحزبه، مؤكدة أنها محمودة “وقد تُحرك عجلة الحوار الاجتماعي” رأت حكومة العثماني في شخص وزير التشغيل، محمد يتيم، أن المطالبة بمجلس وطني للحوار الاجتماعي، ليس ملهما، بل هو مقترح عادي كباقي الاقتراحات.