قالت بياتريس ميسا، حقوقية وباحثة إسبانية في مجال، الهجرة بالجامعة الدولية الرباط، إن السلطتان المغربية والإسبانية يجب أن تتحدا لمحاربة «مافيا» نقل المهاجرين السريين. كيف تفسرين عودة الهجرة غير الشرعية أو ما يسمى ب»الحريك» بهذه الطريقة المهولة في صفوف الشباب المغاربة؟ ما يمكن تأكيده في هذا الشق هو أن الهجرة ذات صلة مباشرة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي بالبلد، كون هذا الجانب هو المحرك الأساسي الذي يدفع الشباب إلى الهجرة، في اتجاه ما يسمى «الفردوس الأوروبي»، عبر قوارب الموت.. منذ ثمانينات القرن الماضي كان الطلب متزايد على اليد العاملة المغربية في أوروبا للعمل في المجالات الزراعية، الفلاحية والصناعية.. كان الهدف من الهجرة هو العمل، نظرا إلى الثقة التي كان يكنها المهاجرون آنذاك للنموذج الاقتصادي الأوروبي مثلا ألمانيا وبلجيكا، وكان أيضا من أجل استكمال الدراسة، يعني أن الجيل الأول للمهاجرين الذي وصل أوروبا كان هدفه هو العمل وليس الاستقرار. ولكن في 20 سنة الأخيرة، لاحظنا أن الجيل الجديد، وأغلبهم من القاصرين يحلمون ب»الفردوس الأوروبي» ويرسمون لوحة جميلة عن أوروبا في مخيلتهم، مؤسف حقا أن نرى أطفالا يهاجرون بطريقة غير شرعية وهم يعرضون حياتهم للخطر، وهم يختبئون في شاحنات تجارية لنقل السلع بين طنجة وأوروبا، أو في قوارب الموت وغيرها من الطرق. المهم حقا هو أن أغلب هؤلاء الشباب قادمون من المدن والضواحي أو من حضن عائلاتهم وبيوتهم، جاؤوا يبحثون عن تحسين ظروفهم في أوروبا. صادفت مرارا العديد من الأطفال القادمين من قرية تدعى بني ملاح، يرغبون في الهجرة، هذا يعني أن هناك مشكلا. هذه الموجة من الشباب القادمين من المدن والقرى المغربية فقدوا الأمل في التغيير، والمؤلم أن بعض العائلات تعلم أن أطفالها يسعون إلى «لحريك» ويشجعونهم لأنها ترى فيهم الأمل في تحسين ظروفها المادية ومساعدتها للنهوض بمستواها الاجتماعي، ولكن في الوقت نفسه توجد عائلات لا تعلم أن أطفالها يستعدون لمغادرة المغرب، في ظروف خطيرة، لا يعلمون شيئا عن مصيرهم. أفهم من كلامك أن تأزم الوضع السياسي والاقتصادي الاجتماعي، هو السبب في تنامي هذه الظاهرة؟ نعم، بكل تأكيد، كل ذلك له علاقة وطيدة ومباشرة بانقطاع الأمل في صفوف الشباب، وبالتالي تفكيرهم في الهجرة. الشباب في حاجة لمن يحتويهم، ويوفر لهم حاجاتهم الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية، هم يعتقدون أن العمل متوفر بوفرة خارج المغرب، والحقوق الاجتماعية أيضا، وهذا ما يسهم في تجييشهم ورفع منسوب أملهم في الاتجاه صوب أوروبا، لذلك قرروا دفع ثمن الرحيل والسفر. عموما، القاصرون أو الشاب يجب أن يكونوا محميين من طرف الدولة. ما تقييمك لتعامل السلطات الإسبانية والمغربية مع هذه الأزمة «الحريك»؟ لا أعتقد أن هناك أزمة أساسا، ولا يمكن أن تكون هناك أزمة بين المغرب وإسبانيا فيما يتعلق بالهجرة، ولكن يوجد نقاش وطني في إسبانيا يتعلق بكيفية تدبير ما يحدث، لأن إسبانيا تصلها موجة من القاصرين بشكل شبه يومي، لذلك بدأت السلطات الإسبانية تدرس كيف ستعمل على تلبية حاجات هؤلاء الوافدين القاصرين، وتحاول وضع أصبعها على مكامن الخلل، مثلا هؤلاء المهاجرون السريون يستقرون بشكل كبير في بعض المدن عكس أخرى، ما يحدث ضغطا ونوعا من الخلل على مستوى التوازن. وكمثال ثان، المهاجر السري القاصر عندما يصل إلى الأندلس يلحق مباشرة بمراكز الحماية، يعني مدينة «قادس» التي تستوعب هذه النوعية من المهاجرين، نظرا إلى قربها الجغرافي من المغرب، عكس مدريد أو مدن الشمال، وهذا يشكل عبئا على المسؤولين في جنوب إسبانيا. ما أريد قوله هو أن إسبانيا وصلت مرحلة نقاش ما الذي سيحدث بعد الهجرة؟ انطلاقا من كل ذلك، بدأ النقاش حول كيفية توزيع المهاجرين. ما يمكن إجماله هو أن السلطتين الإسبانية والمغربية على تواصل دائم فيما بينهما. إذ في كل يوم وكل أسبوع، توجد اجتماعات ونقاشات وقرارات من الجانبين. كما توجد تحركات تستهدف تدبير ملف الهجرة لأن اسبانيا تمثل بوابة لأوروبا. ما حدث أنه بعد اجتماع «مولتيب»، طلبت إسبانيا من المغرب التشديد في مراقبة الحدود، وبالمقابل ستقوم إسبانيا بتمويل ذلك، إلى جانب وعود اقتصادية مهمة، لأن أوروبا تعلم جيدا أن المغرب من الناحية المادية لا يستطيع ضمان المراقبة التامة لجميع حدوده من الشمال أو الجنوب أو حتى الغرب، سواء من جزر الكناري أو الجزائر، أو من الجهة الموريتانية، وغيرها من المواقع والجهات. كيف سيقوم بذلك بكل ذلك؟ وكيف سيتحكم بجميع هذه المنافذ لوحده؟ هذا يعني أن المغرب وإسبانيا يجب أن يستمرا في التعاون والعمل معا من أجل تدبير ملف الهجرة المؤرق. إذن، من يتحمل المسؤولية اليوم، مادامت السلطات المغربية والإسبانية تقوم بمجهودات متواترة للحد من هذه الظاهرة؟ ومن يتحمل مسؤولية تفاقمها؟ هل حقا توجد مافيا وراء كل ما يحدث؟ المسؤولية مشتركة بين السلطتين المغربية والإسبانية، ولكن طبعا يوجد من هو وراء كل ما يحدث في الأيام الأخيرة. طبعا توجد مافيا دولية، بدليل أنه في الثلاثة أيام الأخيرة تم اعتقال ثلاثة إسبانيين متورطين في نقل المهاجرين، يعني هذا أن المافيا لها أوجه عدة ممكن أن يكون لها وجه إسباني، كما يمكن أن يكون لها وجه مغربي، هذا مؤكد. ولكن عندما نتحدث عن المهاجرين الجنوب إفريقيين السريين، نقول، أيضا، إنه توجد مافيا من جنوب إفريقيا. نعم، توجد مافيا متعددة الجنسية، إذا أردنا محاربة هذه الظاهرة يجب أن تشمل، كذلك، المافيا.