عامر واعلي تبدو الجزائر برئيس ينتخب بالاقتراع المباشر وبرلمان من مجلسين ومجلس دستوري, نظاما ديموقراطيا لكن سير المؤسسات يظل غامضا بسبب الدور السياسي الكبير الموروث عن حرب التحرير الذي يلعبه الجيش. وقال رئيس الوزراء السابق سيد احمد غزالي في حديث مع موقع تو سور لالجيري (كل شيء عن الجزائر) ان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يترشح لولاية رابعة "قانونيا, لديه صلاحيات هائلة" لكن "في الواقع لا يتمتع بها قط". وبرز دور دائرة الاستخبارات والامن في البلاد على الساحة السياسية منذ هجوم كلامي غير معهود تعرض له رئيسها اللواء محمد مدين المدعو توفيق الذي يتولى هذا المنصب منذ 1990. ودعاه مهاجمه الامين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعيداني المحسوب على انصار بوتفليقة, الى الكف عن التدخل في الشؤون السياسية والى الاستقالة. وكان ذلك الهجوم اشبه بعاصفة في الجزائر حيث اصبح يشتبه في ان الجنرال توفيق يعارض ترشيح بوتفليقة لولاية رابعة خلافا لرئيس اركان الجيش اللواء احمد قايد صالح. وفي رد غير متوقع اثار ذلك حملة تضامن مع دائرة الاستخبارات والامن التي كانت في الخط الامامي في محاربة الجماعات المسلحة خلال التسعينات. واشتبهت الصحافة في ان "جماعة الرئيس" تقف وراء هجمات سعيداني واتهمت بوتفليقة وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة بالسعي الى تقسيم المؤسسة العسكرية لكن هذا الاخير دافع عن نفسه مؤكدا ان تلك الصراعات "خيالية". وقد كان بوتفليقة ترشح الى الانتخابات الرئاسية في 1999 تلبية لنداء الجيش الذي كان حينها في خضم قتال المتطرفين الاسلاميين, وفاز فيها بعد انسحاب منافسيه الست الاخرين الذين نددوا مسبقا بعملية تزوير مدبرة لصالحه. وبعد انتخابه اعلن ارادته في التحرر محذرا من انه لن يكون "ثلاثة ارباع رئيس" و"زينة على حلوى". وفعلا منذ الاستقلال كان الجيش هو من يعين مباشرة او يرشح للانتخاب رئيس الدولة بفضل "انتخابات متسلطة" وفق عبارة عالم الاجتماع محمد حشماوي الذي يرى ان "مجلس حرس النظام" هو الذي يقود الجزائر ويعمل طبقا "لقوانين غير مدونة". من جانبه اعتبر عالم الاجتماع كريم أملال ان "الغموض كطريقة تسيير ضاربة جذورها في تاريخ حرب التحرير" (1954-1962) مؤكدا ان "منذ 1962 كل وجوه الحكم -سواء كانت ظاهرة او حقيقية- اصبحت ظاهرة الى حد ما". واوضح عبد المجيد بن الشيخ عميد كلية الحقوق في الجزائر سابقا ان "القيادة العسكرية تمارس سيطرة قوية على مجمل النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي". واضاف ان "باختيار رئيس الدولة انها تهيمن على كامل النظام المؤسساتي والاداري". لكن "الرئاسة لم تفقد ابدا سلطتها" كما قال احمد اويحيى رئيس ديوان الرئيس والذي تولى مرارا منصب رئيس الحكومة مؤكدا ان "بوتفليقة منذ انتخابه كان رئيسا مئة بالمئة" و"القول بان الجيش يقرر كذب". وتستمد دائرة الاستخبارات والامن قوتها خصوصا من قدرتها على التعيين في مناصب الدولة. وقال بن الشيخ "بصفتها هيئة في هيئات الجيش, تتمتع دائرة الاستخبارات والامن باكثر من كلمة في تعيين معظم المسؤولين وانطلاقا من ذلك لا يتحركون ولا يمكنهم التحرك الا في اطار نظام الموالاة للقيادة العسكرية ودائراتها للاستخبارات والامن". واكد غزالي ان "ذلك يشمل كل موظفي الدولة من اعلى درجة من رئيس الجمهورية الى رئيس +الدائرة+ (مساعدو حكام الولايات) وحتى ادنى منه ولا يمكن تعيين شخص بدو موافقة الاجهزة". ويقول حشماوي ان بفضل هذا النظام "تغطي دائرة الاستخبارات والامن كل مجالات تدخل الدولة والجيش والبنك المركزي مرورا بالشؤون الخارجية والدينية والاعلام". واضاف ان "طريقة تدخل البوليس السياسي (...) تتمثل من اعلى في استباق السلطات العمومية", ذاهبا الى حد القول ان جهاز الاستخبارات هو "من يؤسس احزاب المعارضة والصحف المستقلة وجمعيات المجتمع المدني".