قطرات مطر تتهاطل علينا هذه الأيام، محدثة في النفوس ارتياحا طبيعيا، مصدره ذلك الإيقاع الجميل التي تحدثه ضربات الماء على سطح الأرض، فتنبعث منها رائحة زكية، و تجذب إليها الإنسان بحنينه لأصله الترابي. فيتناغم الكل في مشهد بديع تعلوه غيوم حبلى بالرحمات، تجود بحبات بلورية مشرقة على أمها الأرض. ترتمي القطرات في أحضانها، فترد التحية بارتداد مائي يحدث حبابا زهيا. الحباب، هو تلك الفقاقيع التي تظهر على الأرض عند تساقط المطر. وقيل منها اشتقت كلمة "الحب" تشبيها لهيجان القلب عند لقاء المحبوب بما يحدث بين الأرض وقطرات المطر. وكم ارتبطت قصائد شعراء الحب بالسير تحت المطر المنهمر. وكأن تلك المحبة بين الأرض والماء تحدث في القلوب فيضا من المشاعر الباحثة عما يروي عطشها. ولعل هذه الرحمة النازلة من السماء تكون عربونا لمحبة الخالق جلت قدرته لمخلوقاته الضعيفة المفتقرة إلى رحماته. وليس صدفة أن ارتبطت مشاعر البشر بفصول السنة مما دفع بهم إلى اتخاذ أيام بعينها للتعبير عن هكذا مشاعر. فكان ما سمي ب"عيد الحب" في منتصف شهر فبراير البارد الممطر والمثلج في بلاد أوربا التي ظهر فيها هذا "العيد" نسبة إلى معتقدات نصرانية متعلقة بتكريم لقديسين يحملان ذات الاسم قتلا في العهد الروماني. وقد تعددت الروايات وتضاربت بشأن قصة هذه المناسبة. لكن الشاهد هنا هو تلك الحاجة الإنسانية للشعوب بالحب والتعبير عنه التي دفعت بمجتمعات مفتقدة له لإحداث مثل هذا العيد عندهم. وما دامت المحبة لا تزال تربط بين أفراد الأسر والعائلات الكبرى في مجتمعاتنا. فالحب لا يزال يسري بين القلوب. رغم أن هذه المحبة لم تعد متجلية بشكل كاف. فأضحينا كثيرا ما نسمع في برامج الإذاعات وقنوات التلفاز عن كثرة المشاكل الأسرية خاصة عند الأجيال التي سبقتنا. بل حتى في صفوف الشباب حديثي العهد بالزواج أصبحنا نسمع عن ارتفاع حالات الطلاق. مما يدعو للتساؤل حول حقيقة الحب الذي ينشأ بين الشبان والفتيات قبل الزواج بل وقبل الخطوبة التي تعد مرحلة مهمة لدراسة كل طرف لشخصية الآخر دراسة دقيقة مع تحكيم العقل قبل أن تغلب عليه العاطفة. وقبل أن نتوجه باللوم إلى شبابنا حول لجوئهم إلى الجنس الآخر بحثا عن إطفاء عطش قلوبهم التواقة إلى إيجاد محبة صادقة. لنسأل أنفسنا أول،ا كآباء وأمهات وإخوة وأخوات وأعمام وخالات، عن مدى قيام كل منا بدوره في منح المحبة لبعضنا البعض ولأبنائنا وإخوتنا. فإن أشبعنا عواطفهم صاروا في غنى عن البحث عنها خارج أحضان أسرهم وعائلاتهم الكبيرة. وبهذا التلاحم العاطفي نفتح قلوب فتيتنا وشبابنا فيصيرون أكثر قبولا لاستقبال رسائل آبائهم وذويهم التربوية التي تذكرهم بألا حب يعلو على حب الله عز وجل. ثم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. خاصة وأن هذه الأعوام يأتي فيها شهر فبراير المتضمن للعيد المزعوم مسبوقا بشهر ربيع الأول المفعم بالمحبة النبوية. والحمد الله الذي سقانا خلالهما بأمطار رحمته. ولعل ذلك كان عربونا لمحبته جل وعلا