ليست ذكرى حفل زواج، ولا بشرى عقيقة، وإنما ذكرى ارتقاء أحد من شهروا القلم بدل السيف، وأهرقوا الحبر بدل الدم، إنها ذكرى مقتل عبد الرحيم الحسناوي، الشاب الذي راح ضحية عنف طائش، داخل الحرم الجامعي . كلية الحقوق ظهر المهراز بفاس صباح يوم 24 أبريل من العام المنصرم كانت على موعد مع جريمة قتل، ضحيتها شاب أتى ليجلس على مقاعد المدرّج لينصت إلى ندوة كانت تعتزم منظمة التجديد الطلابي تنظيمها وتجمع كلاً من الإسلاميين واليساريين لمناقشة الإختلافات والفروق، لكن شاء القدر أن تنسف الندوة ويطعن الحسناوي بسيوف وسكاكين ليقع أرضاً يتجلجل في دمائه، ويحقق الشعار الذين طالما رفعه وبح صوته من أجله، وهو الموت في سبيل الله، يقول الدكتور نور الدين قربال "لقد ودعتنا يا أيها الشهيد يوم الجمعة 25 أبريل 2014، وقت الفجر، وبالتالي تجمع بين خير يوم وأحسن وقت فهنيئا لك. وانت في ريعان الشباب (23 سنة) وقد شهد لك الجميع بحسن الخلق، وبالنضال من أجل القضايا العادلة". دعونا نرجع للوراء قليلاً، ونحكي حكاية ازهاق روح شاب في مقتبل العمر، تقول الحكاية أن منظمة التجديد الطلابي فرع فاس أعلنت عزمها على تنظيم ندوة بعنوان "الإسلاميون، اليسار، الديمقراطية" ويؤطرها كل من عبد العالي حامي الدين القيادي في حزب العدالة والتنمية، وحسن طارق نائب برلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وأحمد مفيد أستاذ جامعي، وذلك بكلية الحقوق بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وبعد الإعلان عن الندوة، تسلم عميد الكلية المذكورة سالفا إشعارا لذلك، ليسارع شباب التجديد الطلابي في التعبئة للندوة من خلال نشر ملصقات ولافتات في أنحاء الجامعة، هذا الأمر الذي لم يرق لفصيل النهج الديمقراطي القاعدي "البرنامج المرحلي"، حيث هدد بنسف الندوة في بيان له قائلا "لن يمروا.. لن يمروا، وإن مروا فعلى جثثنا". بعدما تأجج الوضع ونال كل إسلامي نصيبه من التهديد بالقتل والاعتداء عمدت إدارة الكلية إلى الاتصال بالمؤطرين وتحذيرهم من الحضور خشية وقوع مجزرة يكون ضحيتها عشرات الطلاب، دون أن تتصل بالسلطات الأمنية . وجاء اليوم المشؤوم (الخميس 24 أبريل 2014) الذي افتتح أعضاء منظمة التجديد الطلابي يومهم بحلقية بكلية الحقوق انتهت بقراءة بيان حول تأجيل الندوة، وإخبار الجماهير الطلابية باعتذار المؤطرين، لتقدم المنظمة بعد ذلك بطلب لقاء مع المدير بشكل عاجل، الأمر الذي رفض من طرف الإدارة من دون أي علة أو تبرير، ليذهب كل طالب إلى حال سبيله . وبعد الزوال نحو الثانية عشر عندما تفاجئ الطلبة وهو يخرجون من مدرجات الدراسة بمجموعة من طلبة "البرنامج المرحلي" وهم يحملون سيوفاً وأساطير طعنوا بها من أدركوهم بينما فرّوا آخرون بأنفسهم، ليظل القتلة يجوبون ساحات الكلية بحثة عن بعضهم، فتوجهوا للمقصف، حيث وجدوا هناك بعض الشباب الذي فروا أيضاً خوفاً من أيادي العنف ليحاصر الحسناوي ويواجه السيوف بذراعيه الفارغتين من أي سلاح عدا القلم، فظلّ هناك يتلجلج في دمائه دون أن ينجده أحده، ليفرّ بعد ذلك المجرمون عبر الأسوار والسيارات، فتنقل سيارات الإسعاف الجرحى ومن في يستعّد للإرتقاء . كانت الفاجعة كبيرة وسط طلاب ظهر المهراز، وأصبح الخوف بادياً في أعينهم، الكلّ ينظر حوله ويرتقب من دونه، فلا أمن وسلام داخل فضاء يفترض أن يكون ملجأ الخائفين والمضطهدين، لم يمكث الحسناوي غير قليل حتى فاضت روحه إلى باريها، فحضر المسؤلون والنواب، وسمع نحيب الوزير والمسؤول، والكبير والصغير، ثم نقل جثمانالحسناوي إلى جوار أمه وأسرته، بمدينة الراشدية، حيث وري الثرى هناك، وبقيت لعنة دمائه تلاحق قاتليه إلى يوم اللقاء.