هربا من جحيم الحرب الدائرة بين نظام بشار الأسد والمعارضة المسلحة، فرّت آلاف من الأسر السورية خارج هذا البلد قاصدة دولا أكثر أمنا وأمانا. لكن قليل من هذه العائلات من وصلت بهم الأقدار إلى اللجوء إلى المغرب قاطعة كل تلك المسافات والدول بين سوريا الشام والمغرب الأقصى. غير أن عائلة محمد الحمصي، (استعار هذا الاسم خوفا على حياته وحياة أبناءه)، نجحت في تخطي كل تلك الحدود لتصل إلى مدينة أكادير على الساحل الأطلسي في وسط جنوب المغرب، قادمة إليها من مدينة حمص المحاصرة من طرف قوات بشار الأسد. "الرأي" التقت محمد بعد صلاة عصر يوم الجمعة 30 غشت 2013، بأحد المساجد بمدينة أيت ملول (18 كلم عن أكادير) ، يطلب من المصلين، وبلكنة سورية، مد يد العون لأنه هارب للتو من الحرب الدائرة في سوريا، ومظهرا هويته من خلال جواز سفر يحمل شعار الجمهورية العربية السورية، رافضا أن نلتقط له صورة لظروف أمنية. محمد ذو الثامنة والثلاثين سنة تقريبا، كان يشتغل بمعمل كبير لصناعة المكيفات الهوائية، يرافقه طفلان وزوجته، توزعا على أبواب المسجد حاملين أكياسا بلاستيكية ويستعطفون الناس بلكنة سورية كي يمنحوهم بعض الدريهمات، مما يظهر أنهم تعودوا على هذا النوع من "العمل". يحكي محمد والحرقة والألم باديان على محياه، أنه هرب بأسرته من مدينة حمص نحو الحدود اللبنانية، وفيها استقر لأسابيع قبل أن يلتجىء إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بلبنان، لتدفع له ثمن تذاكر السفر إلى أي بلد يختاره غير الاستقرار بلبنان، قبل أن تنقطع عنه أخبار سوريا بالكامل، فلا علم له بتجضير الغرب لضربة عسكرية في سوريا. اختار محمد السفر إلى الجزائر، دون أن يعلم عن هذا البلد أي شيء، وفيه قضى أسابيع من المعاناة بحثا عن شغل يدر عليه ما يسد به رمق أبناءه الجوعى. وقبل عشرة أيام قرر محمد مغادرة الجزائر باتجاه المغرب، عبر تأشيرة إلى مدينة الدارالبيضاء، ومنها إلى مدينة أكادير، ويحكي محمد كذلك أن في حي بإنزكان، حيث يكتري بيتا بألف درهم للشهر، توجد ثلاث عائلات سورية أخرى، كلهم يتسولون أمام أبواب المساجد بعد أن رفض الجميع تشغيلهم في المغرب. وأمنية محمد في الأخير هي الحصول على قدر من المال يكفيه للعودة رفقة ابنيه وزوجته إلى لبنان، حيث يكون قريبا من أبيه وبلده، بعيدا عن حياة التسول والغربة.