في مثل هذا اليوم، 06 نونبر، من سنة 1975، ذهب "علال" و"الجيلالي"، و"حمو" و"حدو"، و"يحظيه" و"السالك"، و"الطاهر" و"محمد"، و"ميمون" و"علي"، و"فاطنة" و"هرا"، و"كلثوم" و"الضاوية"، و"خديجة" و"لالة بديعة"، ضمن حوالي 350 ألف متطوع لمعانقة إخوانهم في أقصى جنوب المملكة، وتحرير أرض من أراضي بلادهم الشاسعة من قبضة المستعمر الإسباني، مُلبين نداء الملك الراحل الحسن الثاني. واليوم، الخميس 06 نونبر، بمناسبة تخليد الذكرى ال39 للمسيرة الخضراء، يلتقي هؤلاء ممن لا زالوا على قيد الحياة، ليتذكروا تفاصيل الحكاية من البداية إلى النهاية، وكيف حركتهم وطنيتهم الصادقة ومواطنتهم الحقيقية، وإيمانهم الراسخ بأن الله تعالى لن يُخيبهم، فانخرطوا بكل طواعية في الملحمة السلمية، التي وصفها المتابعون آنذاك ب"معجزة القرن العشرين". في ذلك اليوم بالبارد من نونبر 1975، انطلقت حشود المتطوعين من مختلف الفئات، رجالا ونساء، يمثلون جميع أقاليم المملكة، في صفوف منتظمة، وفي أياديه القرآن الكريم والأعلام الوطنية، نحو وجهة واحدة الصحراء المغربية من أجل إنهاء الواجد الإسباني به. بداية الحكاية بعد أن بثت محكمة العدل الدولية ب"لاهاي" في ملف الصحراء المغرب، وأقرت في رأيها الاستشاري بروابط البيعة التي تربط ساكنة الصحراء بسلاطين ملوك الدولة المغربية، وبالتالي حق المغرب، أعلن الملك الراحل الحسن بن محمد عن تنظيم المسيرة لاسترجاع الصحراء وتحريرها . وبعدما كانت فكرة المسيرة حبيسة خلد الملك الراحل وفئة قليلة من أقرب المقربين إليه، أعلن عنها في 16 أكتوبر 1957، أي قبيل شهر من التاريخ المحدد لانطلاقها. منطق جديد لقد جاءت المسيرة الخضراء، التي أبدعا الملك الراحل الحسن الثاني، بمنطق جديد، منطق يضع حدا فاصلا مع منطق الحرب وأسلوب المغامرة. فقد حرص الفقيد على تجنيب المنطقة حربا مدمرة، فاتخذ قراره الحكيم القاضي بتنظيم مسيرة سلمية وتجعل من الحوار فضيلة لتسوية النزاعات بعيدا عن العنف والرصاص والنار. كلمات لا تُنسى يتذكر المشاركون في المسيرة الخضراء والمغاربة قاطبة ممن جايلوا هذا الحدث التاريخي، كيف انتصبوا إلى جانب أجهزة التلفاز بالأبيض والأسود أو المذياع، لاستماع إلى الكلمات التي قالها الملك الراحل الحسن الثاني في 05 نونبر 1975، أي يوما واحدا قبل إعطاء الانطلاقة الرسمية للملحمة. فقد قال الحسن بن محمد، مخاطبا حشود المتطوعين، الذي تحركوا من مختلف ربوع المملكة نحو مدينة طرفاية،: "غدا إن شاء الله ستُخترق الحدود.. غدا إن شاء الله ستنطلق المسيرة الخضراء.. غدا إن شاء الله ستطؤون طرفا من أراضيكم وستلمسون رملا من رمالكم وستقبلون ثرى من وطنكم العزيز". 4 أيام تُحرك المياه الراكدة وانطلقت المسيرة الخضراء في 6 نونبر 1975، واخترق ال350 ألف من المشاركين، ضمنهم 10 في المئة من النساء، الحدود الوهمية. وبعد أربعة أيام على انطلاق الملحمة تحركت المياه الراكدة، وبدأت اتصالات ديبلوماسية مكثفة بين المغرب واسبانيا للوصول إلى حل يضمن للمملكة حقوقها على أقاليمها الصحراوية. وأجاب الملك الحسن الثاني، في كتاب "ذاكرة ملك"، على سؤال للصحافي الفرنسي، إيريك لورلن، "في أي وقت بالضبط قررتم وقف المسيرة الخضراء؟"، قائلا: "في الوقت الذي أدركت فيه جميع الأطراف المعنية أنه يستحسن أن تحل الدبلوماسية محل الوجود بالصحراء. ولم يكن إرسال المغاربة في المسيرة الخضراء بالأمر الأكثر صعوبة، بل كان الأكثر من ذلك هو التأكيد من أنهم سيعودون بنظام وانتظام عندما يتلقون الأمر بذلك، وهم مقتنعون بان النصر كان حليفهم، وذلك ما حصل بالفعل". نهاية المهمة بنجاح وأعلن الملك الحسن الثاني في 09 نونبر 1975 عن أن المسيرة الخضراء حققت المرجو منها، وطلب من المشاركين فيها الرجوع إلى نقطة الانطلاق أي مدينة طرفاية. قبل العودة إلى مدنهم وقراهم سالمين غانمين. ووقع المغرب إثر ذلك بالعاصمة الإسبانية مدريد، في 14 نونبر 1975، مع إسبانيا وموريتانيا، اتفاقية استعاد المغرب بمقتضاها أقاليمه الجنوبية. وهي الاتفاقية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وصادقت عليها. وارتفع العلم الوطني بمدينة العيون يوم 28 فبراير 1976، مؤذنة بنهاية الوجود الاستعماري في الصحراء المغربية، حيث تلاها استرجاع المغرب في 14 غشت 1979 لإقليم وادي الذهب. الحكم الذاتي.. مبادرة لقطع الطريق على الخصوم واليوم يطرح المغرب مبادرته القاضية بمنح حكم ذاتي موسع للأقاليم الصحراوية في ظل السيادة الوطنية، من أجل قطع الطريق على الخصوم الذين لا يريدون للملف أن يُطوى نهائيا. وهي المبادرة التي تحظى بدعم متنامي من طرف المنتظم الدولي، لاسيما وأن جل المراقبين يعتبرونه آلية ديمقراطية لإنهاء النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، والذي يسعى خصوم الوحدة الترابية للمملكة لإفشاله بجميع الطرق المتاحة ضدا على الحقائق التاريخية التي تشهد على أن الصحراء كانت مغربية وستظل مغربية.