إني لأجد ريح هيكل، في الأحداث الأخيرة التي تشهدها مصر! فالكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، هو الذي هرول إليه السياسيون الفشلة، ليستغل علاقته بقائد الجيش المعين من قبل الرئيس محمد مرسي، عبد الفتاح السيسي، وينصحه بالانقلاب على السلطة الشرعية، وقطع المسار الديمقراطي، وكتب له خطاب الانقلاب! هيكل في لقاء له مع لميس الحديدي ذكر أن السيسي اتصل به قبل أن يلقي هذا الخطاب، فلما تلاه عليه في الهاتف، هتف هيكل: «الله» إنه مكتوب بحرفية. ثم سأل السيسي من كتبه؟ ليجيب السيسي: أنا. وكأن دور هيكل كان فقط مراجعة الصياغة.. يكاد المريب» يقول خذوني! المذكور الذي بلغ من الكبر عتياً، وعاصر أنظمة بعدد شعر رأسه، لا يجيد التعامل إلا مع «كتالوغ» المرحلة الناصرية، فاستدعى لسطح ذاكراته أحداث سنة 1954، وكانت نصيحته لقائد الانقلاب، بمزيد من الدماء، وبكثير من المعتقلين، سوف يستقر لك الحكم. ورغم الدماء التي أريقت، والسجون التي امتلأت عن آخرها بالمعتقلين، فإن الأمر لم يستتب له. ومع ذلك تم الانتقال للفصل الثاني: «مشروع قومي يلتف حوله المصريون»، فكان مشروع قناة السويسالجديدة، مع عدم جدواه اقتصادياً، ورغم «فرح العمدة» الذي نصبه الإعلام، والفضائيات الخاصة والعامة، فإن الأمر لم يحقق الغرض منه! إذن لا بد من الانتقال للفصل الثالث من «كتاب حياتي يا عين»، الذي فيه «الفرح سطرين والباقي كله عذاب» لخالد الذكر المطرب الشعبي «حسن الأسمر»، فكان لا بد من الدخول في حرب خارجية كحرب اليمن التي خاضها جمال عبد الناصر، أو بالدخول في حرب على الحدود. وفكر السيسي وقدر، في خوض حرب صريحة في ليبيا والعراق، لكنه لا يمتلك الشجاعة أو الكفاءة لذلك، ولأنه أضعف من أن يخوض حرباً مع إسرائيل، فدخل حرباً مع شعبه، ومع المصريين في سيناء، وفي رفح، وكان قرار التهجير، لإقامة الجدار العازل! في الحروب يكون الشعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، حتى وان كانت المعركة في صوت «البنت البنوت»، أيام زمان، ففي هذه الأيام لا يمكنك أن تميز بين صوت «العذراء في خدرها»، والأرملة التي مر القطار على زوجها فمزقه إرباً إرباً. بفضل «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» أمم عبد الناصر الصحافة، وكانت من قبل مؤسسات مملوكة لأفراد، فحولها لصحف مملوكة للسلطة، وكتب هيكل المتفوق على نفسه في فنون التضليل الإعلامي، فوصف «التأميم» ب «التنظيم»؛ فبدلاً من «تأميم الصحافة» صار العنوان لما جرى هو «تنظيم الصحافة». التخلي عن الحرية ولأن مصر الآن في حالة حرب، فقد اجتمعت قيادات العمل الإعلامي والصحافي، وقرروا على قلب رجل واحد التخلي عن حريتهم بمحض إراداتهم، باعتبار أن الحرية من شأنها أن تهدم الدولة المصرية، وكان القرار بمنع إذاعة ونشر «الآراء التي تشكك في قدرة الدولة المصرية على مواجهة الإرهاب». اللافت أن البعض اعتبر أن هذا القرار جاء ليصادر الرأي الآخر، مع أن هذا الرأي جرت مصادرته منذ اللحظة الأولى للانقلاب، فبينما كان السيسي يلقي البيان الذي كتبه هيكل، ويعلن خلاله الانقلاب على السلطة المنتخبة، كانت قوات الأمن تهاجم مدينة الإنتاج الإعلامي، وتروع العاملين في القنوات، التي من المحتمل أن تنقل لمشاهديها الرأي الآخر. كما هاجمت مكاتب الفضائيات من هذا النوع، وكانت حصيلة الحملة الأمنية الباسلة في هذه الليلة الليلاء المئات من المعتقلين، ما بين إعلاميين وعمال وضيوف! وبقيت صحيفتان «الشعب الجديد»، و«الحرية والعدالة»، فبعد التضييق، كان القرار بالإغلاق. فالمستهدف الآن بالخنق، هو تنويعات «الرأي الواحد»، لأن «الرأي الآخر» جرى التخلص منه مبكراً، وطورد أصحابه، ومن تم الاشتباه فيهم بأنهم يقدمون «الرأي الآخر»، منعت مقالاتهم مثل: بلال فضل، وعلاء الأسواني، وطالت يد التجريف مقالات عمرو حمزاوي، ومنع برنامج باسم يوسف، وكل أولئك كانوا من «كهنة المعبد».. وقد قرأت مؤخراً تصريحات للأسواني في باريس يؤكد فيها أنه لا يزال عنده أمل، «فالوجد باق.. والوصال مماطلي.. والصبر فان.. واللقاء مسوفي».. كما يقول ابن الفارض! ومن يدهشه هذا الحب، رغم كل ما جرى، فسوف يجد رداً من ابن الفارض لعله لسان حال علاء الأسواني: «دع عنك تعنيفي وذق طعم الهوى.. فإذا عشقت فبعد ذلك عنفي». الأسواني هو من قال عقب الانقلاب، لروبرت فيسك، إن السيسي هو أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور.. شخصياً! الذين لفظهم السيسي لقد لفظ نظام السيسي هؤلاء، ثم انتقل ليطارد من هم يسيرون في ركابه، وإن سعوا لأن يقدموا تنويعات على «اللحن الواحد»، فتم قطع الإرسال عن وائل الابراشي، مع أنه لم يكن يتحدث في كبيرة، فقط كان ينتقد وزير التعليم. ثم تم منع محمود سعد من دخول الأستوديو، ولم يعرف أحد إلى الآن سر غضب الآلهة عليه، وأي جهة هي التي غضبت، فمصر الآن وفي ظل حكم العسكر تعاني من تصادم الأجهزة الأمنية على تعددها. قيل إن أزمة محمود سعد هي بسبب نشره لصورة تجمع عبد الفتاح السيسي، ونفر من الشباب، كانوا طوال الوقت في أيام ثورة يناير وبعدها، يغشون مكاتب المسؤولين باعتبارهم هم أصحاب ثورة، قلت منذ اليوم الأول إنها أنتجت مطالب ولم تفرز زعامات. لكن هؤلاء الشباب كانوا يقومون بذلك من باب الوجاهة الاجتماعية، وفتحت أمامهم الاستوديوهات، ليجري تقديمهم على أنهم من يمثلون الثورة، ليتم استخدامهم في تهدئتها، فلما لم يكن بمقدورهم هذا تم استخدامهم في تشويهها، ولم يكونوا يملكون خطاباً رصيناً يقنع المواطن العادي الذي قبل الثورة على مضض، وكانت مهمة عبد الفتاح السيسي القضاء عليها. وبعيداً عن الذين ظهروا في الصورة، فقد كتبت كثيراً محذراً من ظاهرة «شباب الثورة» لأن منهم من له ارتباطات خارجية، وبعضهم يعمل في منظمات حقوقية تتقاضى أموالاً من الخارج، والمبالغة في أدوارهم بالثورة، وحصر الثورة فيهم يمثل خطورة عليها. وبعيداً عن الذين ظهروا في الصورة، فقد كان أداء البعض منفصلاً عن التقاليد المصرية، وما زلت أذكر عندما ظهرت إحدى الناشطات على فضائية وهي تهتف بطريقة أقرب للردح: «أنا أقول يا حسين يا طنطاوي»، كيف أنزعج صعيدي بسيط وهرم، لفتاة تخاطب رجلاً في «سن جدها» بهذا الشكل، واعتبر أن هذا من سوء الأدب، وكاشف عن عدم قيام الآباء «في البندر» بمسؤولياتهم تجاه أبنائهم، وكان يراها لذلك ثورة جاءت لتكرس «قلة الأدب».. الآن هي مع السيسي وتكتب فيه شعراً. من جرى تقديمهم على أنهم من «شباب الثورة»، منحوا شرعية ثورية لإعلاميي الثورة المضادة في أيام مبارك، بظهورهم معهم، وتعامل طرفا المعادلة بانتهازية، فالشباب كان كل ما يعنيه استغلال الثورة في صناعة نجوميتهم، لا يهم إن كانت النجومية بواسطة من شوهوا الثورة، وأساءوا للشهداء. والإعلاميون كانوا يسعون لغسيل سمعتهم، وبعد ذلك وقد صاروا ثواراً انطلقوا يهاجمون الحكم الذي أفرزته الثورة، ثم عادوا أدراجهم الآن يتهمون يناير بالمؤامرة! لصاحبها جمال مبارك أتذكر الآن حالة الدكتور جابر نصار، عندما تم إدخال الغش والتدليس على الرأي العام بإدخاله في لجنة المئة لإعداد الدستور في عهد الرئيس محمد مرسي، لأن الحكم الإخواني لم تكن لديه مشكلة مع مخلفات عهد مبارك، ربما كانت مشكلته معي أنا، فقبل مرسي وساطة الكنيسة وعين واحدة من الفلول هي منى مكرم عبيد في مجلس الشورى، وفي ساعة الجد استقالت منى واستقال جابر نصار، الذي التحق بجبهة الإنقاذ، التي قدمت نفسها على أنها «الثورة»، ولم يستطع مرسي أو حكمه أن يقولوا بعد استقالته وتشهيره، إن جابر نصار عضو في لجنة السياسات لصاحبها جمال مبارك. الصورة التي نشرها محمود سعد، متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا توجد أزمة في ما قاله تعليقاً من أن بعض من فيها هم الآن في السجون. لكن سعد هو رأس الذئب الطائر ليستوعب الجميع الدرس، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة! وعلى أثر هذا نفر إعلاميو السيسي خفافا وثقالاً، واتفقوا على التخلي عن الحرية حفاظاً على الدولة، كما لو أن في الحرية الإعلامية ما ينهي هذه الدولة، التي يتم تصوريها كما لو كانت كبيت العنكبوت، ولم ينقلوا صورة عملية التهجير التي تحدث في رفح، ولكن برامج «التوك شو» احتشدت ليلة كاملة تهاجم السبق الإعلامي ل»الجزيرة مباشر مصر»، التي نقلت ما يجري بثاً مباشراً. فالسلطة في حالة حرب، وفي الحروب، يباح القمع والاستبداد، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. أبلغوا هيكل أن الإعلام صمت في عهد قائده المفدى ولم يمنع صمته من وقوع الهزائم في الداخل والخارج! ٭ صحافي من مصر القدس العربي