قال ابن منظور : (والملحمة الوقعة العظيمة القتل ، وقيل: موضع القتال ، وألحمت القوم قتلتهم حتى صاروا لحما ) ، ونسي ابن منظور أن يضيف (والملحمة تعني غزة ) . لقد نأسف كثيرا - ونحن نكتب هذه الكلمات - عن تحطيم أماني كثير من البائسين الذين يبحثون عن الملاحم في سفاسف الأمور،ولا يبذلون من أجل صناعتها أبسط مجهود، لذلك فإني أعلم مسبقا أن هؤلاء ومن ألفوا أن يطبلوا لهم لن يروقهم كتابي هذا. قد يتحدث السفهاء عن الملاحم في الغناء وما شابهه مما يستخفون به كثيرا من الناس ، لكن العقلاء وحدهم يعرفون المعنى الحق للملحمة ، إنها في نظرهم تأتي بعد مجهودات جسام ، ليس يشترط بالضرورة أن تتراكم السنوات في أعقابها لتأتي أكلها ويرى الجميع ثمارها ،بل إنها قد تولد في لحظة يسيرة جدا ... وللذين يدعون عكس هذا نقول : "أين أنتم من الشهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ؟ ألم يحقق ملحمة حقيقية في فترة وجيزة ؟؟ ألم يأمر واليه على العراق عبد الحميد بأن يعطي الأعطيات للناس ، وأن يزوج الشباب وأن يدفع المهور ، وأن يؤدي فاتورة حج الناس ، وأن يساعد أهل الذمة على زراعة أراضيهم ...وفي عقب كل هذا الإنفاق كان في بيت مال المسلمين بقية مال ... ولم ينفذ المال بسبب النفقات ؟؟؟ هذه المنجزات هي الملحمة الحقيقية التي لا تحتاج إلى تغني الغاوين ومزامير التملق ، لأن سجل التاريخ الذي لا يرحم وحده كفيل بأن يعزفها بأحلى سمفونية وأرقاها على الإطلاق. في أعقاب كل نكسة وكل هزيمة تخرج على الجموع شرذمة من المتزلفين إلى الأسياد زلفى ، فيحكون ما به يقنعون زورا أنفسهم أن ما يقولونه هو الحق ، وعند تصديقهم لهكذا كذب ، يقومون وبكل وقاحة بتسويقه وإخراجه للجموع بدون خجل وبلا حياء . لا يمكن في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة الإسلامية بعربها وعجمها الحديث عن الملاحم ، سواء تعلق الأمر بملاحم الأفراد أو الأوطان ، لأن ما يجري على الأرض ينقض ذلك تماما ...فلك سيدي أن تبدأ بأي دولة شئت ثم ضعها في ميزان النقد لترى بأم عقلك حقيقة ما يجري ...هل الملحمة في الصومال أم في العراق ؟ هل هي في أفغانستان أم في كشمير ؟ أهي تصنع في ليبيا أم في سوريا.؟؟ لا يمكن في أي حال أن نستثني أي دولة من هذه الدول الإسلامية على اعتراف منا بتفاوت أزماتها ومشكلاتها ...لكن لن نتحدث أبدا على كون إحداها تصنع الملحمة أو قد صنعتها سلفا وأخرجت لنا زبدتها في هذا الظرف العصيب . إن اللمحمة الوحيدة التي يمكن لنا أن نفتخر بها ، هي التي نراها بأم أعيننا إنجازا على الأرض يتحقق ، ، إذ لا يمكن أن يطرق باب حقيقتها أدنى شك ،وبالتالي فإن المقاومة الفلسطينية هي وحدها من تصنع الملحمة،باعتراف الصهاينة قبل غيرهم من المتصهينين. وحركة حماس والجهاد الإسلامي ومعهما كافة الفصائل الفلسطينية بل الشعب الفلسطيني البطل بأسره ، حققوا الملحمة في شقها المتعلق بالقتال ، ذلك أنهم يثخنون جند الصهاينة ويقاتلوهم حتى يصبحوا لحما في كل مواجهة مباشرة من نقطة "صفر"... ولقنوا لنا معاشر المتفرجين من عرب وعجم وغجر بأن الملحمة المعنوية والمادية في جانب البناء تتحقق هنالك أيضا في غزة لأنه ورغم تكالب الإخوة على القطاع قبل العدو ، فإن أهل غزة صنعوا وأبدعوا وحصدوا نتاج ما زرعوا وبه وقفوا في وجه العالم الإمبريالي اليوم . قبل لحظات قليلة أعلن القائد إسماعيل هنية انتصار غزة في معركة العصف المأكول ، وخرج في الجموع احتفالا بالنصر ، مرفوقا بالقائد محمود الزهار وغيره من قادة المقاومة...وأعلن أن ما تحقق في أرض غزة يعتبر ملحمة حقيقية . الرحمة على أرواح الشهداء الذين بدمائهم كتبت وصنعت هذه الملحمة ، والمجد لقادة المقاومة ، وتحية إكبار وإجلال للأمهات اللواتي يهبن أبناءهن في سبيل الله للوطن دونما أنانية .