لا يمكن أن ننكر أن الصحافة اليوم أضحت بجميع أنواعها وألوانها تلعب دورا رئيسيا في نقل المعلومة والتأثير في اتجاهات الجمهور وأصبحت فاعلا مهما في تكريس قواعد الديمقراطية وتعزيز دولة الحق والقانون، فهناك من يمارس مهنة المتاعب بمهنية وموضوعية، وهناك من يمارسها بمهنية دون موضوعية، وهناك من يمارسها بلا مهنية ولا موضوعية ..وهذا النوع الأخير من الممارسين هو الذي ينعت داخل الساحة الإعلامية ب"صحافة الاسترزاق" التي لا تتقن إلا فن وضع مساحيق التجميل على وجوه المفسدين( التنكاف) مقابل ملء جيوبهم بمال حرام. وأذكر بأن كلامي في هذا الصدد ينسحب فقط على المفسدين من داخل الحقل الإعلامي برمته، وليس على الشرفاء الذين سخروا قلمهم النزيه في خدمة البلاد والعباد وفق مرجعية أخلاقية وفي إطار رسالة إعلامية نبيلة، وكل معروف برقصته ... من الطبيعي أن يحدد كل والج ميدان جديد يجهل بداية تضاريسه ومنعرجاته سواء تعلق الأمر بالعمل الصحفي أو السياسي أو الثقافي أو الجمعوي أو.. أهدافه من هذا العمل خصوصا الصحفي والرسالة التي يتوخى تحقيقها من خلال ممارسته. فيمكن القول تأسيسا على ما سبق بأن " الأقلام المأجورة" تسير بدون هدف وبدون بوصلة، على اعتبار أن الهدف بحد ذاته يحمل دلالة علمية رصينة ، فمن غير المعقول أن ندخل "الابتزاز والتسول" كهدف لتلك المجموعة التي نتحدث عنها، بل سيكون من الأليق أن نقول إن هؤلاء يحققون مكبوتات دفينة في أنفسهم نتيجة أمراض اجتماعية مقيتة استفحلت بهم، وهم مرضى كسائر المفسدين، لأن كل شخص يقوم بعمل فاسد هو غير طبيعي ومخالف للفطرة التي فطر الله عليها عباده، يسير في الأرض ويخال لك أنه إنسان سوي سعيد، لكن مع قرارة نفسه يعيش صراعا مع الفطرة التي تروم النزاهة والاستقامة والإخلاص والعدل ..يشعر بمرضه لوحده ويعاني مرارته في خلوته. أما الصحفي الرسالي فهو الممارس الحقيقي لفن القلم، يشق طريقه وفق أهداف واضحة حرا مستقلا لا يظلم ولا يحابي ولا يخذل ولا يداري ..يكتب الكلمة مستحضرا عدل القلم ونزاهة اليد، مبتعدا عن ظلم الناس والتشهير بهم والطعن في أعراضهم، يضع نصب عينيه رسالة أخلاقية يمكن اختصارها في جملة ذات دلالة عميقة هي دعم الإصلاح ومحاربة الفساد بقدر الاستطاعة. نوع آخر من الصحفيين الذين يدخلون في زمرة النزهاء ولا بد أن نسلط الضوء عليهم هم الصحفيون الحزبيون، إذ أن العديد منهم أعمت اللوتة الحزبية بصيرتهم، فحادوا عن المهنية والموضوعية، وأضحوا بوقا لإيديولوجيتهم، وسخروا أفواههم وأقلامهم لتشويه الحقيقة، وشيطنة خصومهم، كما نرى الآن بشكل يومي في العديد من الجرائد الوطنية والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والقنوات ..وحتى أن عددا من الكتاب المحترمين لم يستطيعوا أن يتخلصوا من كراهيتهم لخصوهم، فيبحثون عن الحق والباطل والغث والسمين ويخلطون خلطاتهم الممزوجة بالغل والحقد، سيرا على درب شعار المعارضة "أنا أعارضك في كل شيء"، فلم نعد نقرا لهم إلا الكلام الأدبي الجميل الرائع الخال من كل موضوعية وحكمة.