لن تكون المباراة بين توتنهام هوتسبر الانكليزي وريال مدريد الاسباني الأربعاء ضمن عصبة أبطال أوروبا في كرة القدم، منافسة على أرض الملعب فقط، بل تشكل مبارزة بين مدرب الأول الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو الباحث عن لقب أول كمدرب، والثاني الفرنسي زين الدين زيدان الذي اختاره الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) أفضل مدرب في العالم. يعد الاثنان من أفضل المدربين على الساحة الأوروبية حاليا، ويقود كل منهما فريقا قادر على المنافسة على أعلى المستويات القارية، علما ان إنجازات ريال التاريخية في هذا المجال غير قابلة للمقارنة مع توتنهام. فمقابل 12 لقبا في المسابقة الأهم للنادي الملكي، لا يزال النادي اللندني يبحث عن لقبه الأول فيها. وصل المدربان، وهما في السن نفسه (45 عاما)، الى موقعهما الحالي بعد مسيرة متناقضة: بوكيتينو تحول الى الاشراف على الجهاز التقني بعد مسيرة كلاعب مدافع لم يحقق فيها انجازات كبرى، أما زيدان فتولى زمام الأمور في ريال بعدما أثبت نفسه كأحد أفضل اللاعبين في تاريخ اللعبة، وقاد بلاده الى لقب كأس العالم 1998. يدخل الفريقان مباراتهما الأربعاء ضمن الجولة الرابعة من منافسات المجموعة الأوروبية الثامنة، وهما على تساو في النقاط والأهداف. في ما يأتي عرض لخبرتي زيدان وبوكيتينيو في كرة القدم: نشأ بوكيتينو في وسط متواضع. ابن مزارع من منطقة سانطا في، تربى الطفل الصغير على أخلاقيات عمل لا مكان للفساد أو التراخي فيها، ونقل هذا الانضباط معه الى كرة القدم. ويقول بوكيتينو "كل ما فكرت به خلال طفولتي كان كرة القدم، كرة القدم، كرة القدم. كانت كل شيء بالنسبة إلي". بدأ مسيرته مع نادي نيولز أولد بويز عام 1998، وأحرز لقب بطولة الدرجة الأولى الأرجنتينية في 1991، بعدما برز كمدافع صلب. فتح له أداؤه أبواب الانتقال الى نادي اسبانيول الاسباني عام 1994، الا ان تجربته الاسبانية لم تكن على قدر الآمال، واكتفى بإحراز لقب كأس اسبانيا عام 2000. تجربته الدولية لم تكن أفضل حالا: خاض 20 مباراة مع المنتخب الأرجنتيني، وسيذكره مواطنوه على انه اللاعب الذي تسبب بضربة جزاء أطاحت بالمنتخب من كأس العالم 2002 على يد انكلترا. في المقابل، وبعيدا من الطفولة القروية التي عاشها بوكيتينو، نشأ زيدان في الشوارع الصعبة للمناطق الفقيرة في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا، حيث مزج بين مهارة ملاعبة الكرة وذهنية "مقاتل" في الشارع. بعد تجربة في ناديي كان وبوردو الفرنسيين، برز نجم زيدان مع يوفنتوس الايطالي في إشراف المدرب القدير مارتشيلو ليبي. ويقول زيدان عن الأخير "ليبي كان بمثابة مفتاح الضوء بالنسبة إلي. قبل ذلك، كرة القدم كانت بالنسبة إلي عبارة عن الاستمتاع بوقتي. بعد وصولي الى طورينو، اكتسبت رغبة الفوز بكل شيء، ولم أفقد ذلك". في مقابل الألقاب المتواضعة في خزائن بوكيتينو اللاعب، جمع زيدان الأمجاد من كل حدب وصوب: الدوري المحلي ودوري الأبطال مع ريال مدريد، والأخير في 2002 عبر هدف يعد من الأجمل في المباريات النهائية، ضد باير ليفركوزن الالماني. تأثر بوكيتينو المدرب الى حد كبير بمدربه السابق في نيولز أولد بويز، مواطنه مارسيلو بييلسا، وطبق تعاليمه بحذافيرها في بداية مسيرته كمدير فني لنادي اسبانيول الاسباني في العام 2009. على رغم الاستثمار الضعيف في النادي، تمكن بوكيتينو من إنقاذ الفريق من الهبوط الى الدرجة الأولى في موسمه الأول، وحافظ عليه فيها لموسمين بعد ذلك. شكل تدريب ساوثمبتون الانكليزي "حلما" للمدرب الأرجنتيني في 2013، وتمكن من كسب محبة لاعبيه على رغم نظام التدريب القاسي الذي كان يعتمده، والذي دفع اللاعب جاك كورك للقول ان اللاعبين "في حاجة الى قلبين" لمجاراة تعليمات بوكيتينو خلال التدريب. في موسمه الثاني، قاد بوكيتينو ساوثمبتون الى المركز الثامن في ترتيب البطولة المحلية، وفي العام 2014 فتحت له أبواب توتنهام، ليرد التحية بقيادة الفريق الى المركزين الثالث والثاني خلال موسمين. يعرف عنه هوس بالتفاصيل، الى درجة انه يقوم بنفسه بتحديد نوعية المسحوق المستخدم في غسل ملابس لاعبي الفريق، ولا يكف عن توجيه رسائل نصية الى هؤلاء لتحفيزهم، أيا يكن الوقت. ويقول "بالنسبة إلي، اذا لم يبذل لاعب جهدا لصالح الفريق، لن يلعب. لا يحصل شيء بالصدفة". لم تسمح الصدفة أو العمل الجاد بعد لبوكيتينو بالتتويج بأول ألقابه كمدرب، على عكس زيدان الذي تولى مهمته الرسمية الأولى مع ريال في مطلع عام 2016، بعدما عمل كمساعد للايطالي كارلو أنشيلوتي في الفريق الأول، ومدرب لفريق الاحتياط. الا ان زيدان المدرب فاجأ الجميع وكان له أثر السحر على ريال، فقاده بداية الى لقب عصبة الأبطال والكأس السوبر الاوروبية ومونديال الاندية في 2016، وبعد ذلك أضاف زيدان لقبا ثانيا في عثبة الأبطال والكأس السوبر الاوروبية ولقب البطولة الاسبانية للمرة الأولى منذ 2012 والكأس السوبر الاسبانية، وصولا الى اختياره كأفضل مدرب في حفل الجوائز السنوية للفيفا هذا الشهر. وعلى رغم هذا النجاح اللافت، يقر زيدان بأنه يحتاج الى تعلم المزيد. وقال انه "محظوظ هنا، في أفضل ناد في العالم، مع اللاعبين الموجودين هنا (...) قمت بكل ما هو ممكن لكي أصبح مدربا. أحاول، هذا ما أقوم به، هذا ما يروق لي. عندما نقوم بالأمور بشغف، نصبح أفضل بطبيعة الحال. أنا مثل الآخرين، أتحسن يوما عن يوم".