من النادر أن أرى عزيز داودة يستسلم لدموعه، فهذا الرجل الذي ساهم للأمانة في كتابة صفحات مشرقة لرياضة ألعاب القوى المغربية وهو يقود عشرات العدائين كل بمقاس موهبته، إلى الصعود لأعلى مراتب البوديوم في ألعاب أولمبية وبطولات للعالم وبطولات قارية وعربية، عصي على الدموع أو هو كالجبال إن بكت لم تكشف عن دموعها، إلا أن ما كان يوم الأربعاء الأخير على خشبة مسرح محمد الخامس بالرباط خلال إحتفالية الجمعية المغربية للصحافة الرياضية بالنسخة السابعة للصحفيين الرياضيين المغاربة، وتحديدا لحظة تكريم الإطار التقني والباحث الأكاديمي والإنسان عزيز داودة بمعية كوكبة من القامات الإعلامية الوطنية ونجوم الرياضة، كان أقوى وأشد على عزيز داودة من أن يحبس دموعه، فالمنظر كان مؤثرا للغاية. ما إهتديت مع زملائي داخل المكتب التنفيذي للجمعية المغربية للصحافة الرياضية، إلى تثبيت موعد سنوي نحتفي خلاله بقامات إعلامية رياضية وطنية وببعض من أساطير الرياضة المغربية، إلا ليقيننا الكامل أن قيم التكريم والإعتراف والتحفيز هي عنوان نخوتنا المغربية وأصالتنا وعراقتنا، بل إنها كشف هوية للبلد، إلا أننا هذه المرة أضفنا للأساطير المحتفى بهم، أناس يقفون بملكات العلم والقيادة والكاريزما وراء صناعة هؤلاء الأبطال، ومن دون حاجة للإطالة في البحث، قررنا أن يكون المستهدف بالتكريم من نعترف له بروعة ما أنجز وبجمالية البصمة التي تركها في سجلات الرياضة الوطنية متقمصا للعديد من المهام الثقيلة، وبالتأطير التقني والإنساني بكثير من الإبداع والمهارة لعشرات الأبطال والبطلات وبالإسهام الوافر في تكوين خبراء الرياضة، التكوين الأكاديمي الصحيح. قررنا أن يكون عزيز داودة هو من يتوسط عقد المكرمين في تلك الليلة العامرة بمعاني الوفاء والعرفان، وأبدا لم نخطئ، لأن داودة تجمع فيه ما تفرق في غيره، ولأن ما شهد عليه الحضور في تلك الليلة وأدمعت له عينا عزيز، كان ردة فعل مطبوعة بكثير من الصدق. ما إن عددت الزميلة الإعلامية المتألقة قائمة بلعوشي مقدمة الحفل، العشرات من الإنجازات التي تزين سيرته الذاتية والتي من أجلها قررت الجمعية المغربية للصحافة الرياضية تكريمه، حتى تقدم عزيز وصعد المنصة مبتسما وفي عينيه خجل هو من طبع الرجل، وفي اللحظة التي كان فيها عزيز يتسلم التذكار، فاجأه من خلف الكواليس ما لا يقل عن 30 بطلا وبطلة من نجوم ونجمات ألعاب القوى المغربية مرفوقين ببعض الأطر التقنية والإدارية التي إشتغلت معه يوم كان مديرا تقنيا وطنيا، وكان الكل يرتدي قميصا عليه صورة داودة ومكتوب عليه عبارة «شكرا عزيز». مبهورا ومتأثرا بالذي شاهده، وكان أشبه بالصدق يمشي على رجليه، سالت دموع ساخنة من عيني عزيز داودة وله الحق كل الحق بأن يترك العبرات تنهمر من العينين لجلال الموقف ولعظمة ذاك الشعور الصادق الذي إنتاب كل هؤلاء الأبطال، الذين عرفوا بل وأيقنوا، أن أسماءهم إن نقشت في ذاكرة المغاربة وكتبت في سجلات التاريخ بأحرف من ذهب، إن كانت حياتهم أخذت منحى لم يكونوا يحلمون به في صباهم، فالفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى يعود لعزيز داودة. وحتى عندما أراد عزيز أن يروض الأحاسيس ويضغط على نفسه ليوقف شلال المشاعر، أبدا ما إستطاع برغم ما عرفت عنه من بلاغة، لقد تحدث بصوت متحشرج، ضاعت منه الكلمات وظل الصدق لغة الكلام الذي لا تنميق ولا تلميع فيه. يخطئ من يعتقد أن الواحد منا عندما يتقدم به العمر ويطوي السنوات تلو السنوات ويترجل نحو باب المغادرة راضيا بما فعل، ينتظر من يغدق عليه مالا وذهبا، فلا المال ولا الذهب يعيدان إليه صحة أنفقها في خدمة الوطن والآخرين، لا المال والذهب يستطيعان أن يعوضانه عن سعادة أسرية كانت تسرق منه علنا وهو راض كل الرضا بذلك، ما يحتاجه الواحد منا هو أن يؤتى به إلى فضاء إحتفائي، أن يتحملق حوله من تربوا على يده وانتفعوا بعلمه أو بإنجازاته الرياضية ليقولوا له بكل صدق شكرا على ما أعطيت، فتلك اللحظة بقيمها الجميلة تعيد له الشباب وبهجة الحياة وتعطيه اليقين على أنه ما كافح وما جاهد من أجل لا شيء، تلك المشاعر النبيلة والصادقة لا تقدر بثمن. «من لا يشكر الله لا يشكر الناس» صدق رسولنا الكريم.