لنترك جانبا نظرية المؤامرة التي باتت ملازمة لمشهدنا الكروي، والتي حرضت البعض على القول بأن القرعة التي أفرزت اصطدما كرويا مثيرا للبهجة ومغريا بالمشاهدة، بين القطبين والغريمين الوداد والرجاء كانت «مخدومة» ومخطط لها من قبل من يريدون التخلص من أحد الناديين، ولنتوجه إلى الحمولات الرياضية لديربي سيجمع الغريمين لأول مرة في منافسة خارجية، بعد أن اقتصرت اصطداماتهما خلال 63 سنة على البطولة الوطنية وكأس العرش. صحيح أننا صعقنا، والقرعة تفرز مواجهة مباشرة بين فريقين تغنى المعلقون والإعلاميون الرياضيون بكل المعلقات الكروية والإحتفاليات الجماهرية التي استأثرت بها مبارياتهما في أول أدوار كأس محمد السادس للأندية الأبطال، ومصدر هذه الصاعقة أننا كنا نتمنى على الحظ أن يتقدم بهما خطوات على درب البطولة «المليارية»، فلو أن الديربي تأخر لدور الربع أو حتى النصف، لكان ذلك هينا علينا، إلا أنه ما عاد اليوم ممكنا وقد حكم الدور ثمن النهائي لكأس محمد السادس أن يلتقي الغريمان في ديربي العرب مرتين خلال شهر نونبر القادم، أن نطيل التحسر واللوم أو العض أسفا على ما أفروته القرعة، فالديربي الذي تتعبأ الدارالبيضاء زمنا طويلا لترتيب نسخة منه أمنيا ورياضيا، سيطل بتحدياته على المدينة التي لا تعرف مستحيلا بعد أسابيع فقط.. ولعل أول التحديات التي تواجه الديربي المزدوج بوشاحه العربي، هو توقيته، فلئن كانت المقاربة الأمنية التي برزت مع ما طفا على سطح الديربي من زبد الشغب، قد فرضت فرض عين برمجته نهارا جهارا لإحكام قبضة الأمن والتصدي لكل الإنفلاتات وإطفاء جذوة الشغب، فإن الإتحاد العربي لكرة القدم، وعلى الخصوص قناة أبوظبي المالكة لحقوق البث الحصري لمباريات كأس محمد السادس للأندية الأبطال، يرغبان في برمجة الديربي على الساعة الثامنة مساء، لتسجيل أرقام قياسية للمشاهدة، فهذا الديربي الذي صنعته القرعة بضربة حظ، هو بالفعل هبة من السماء لقناة أبوظبي الرياضية التي ترى في صداه وأبعاده وقيمته التسويقية، ما يفوق بكثير كلاسيكو الأرض بين الكبيرين الريال وبرشلونة أو ديربي الفضاء بين الإنتر وميلان. هي ازدواجية في مقاربة الديربي البيضاوي من مؤسستين، مؤسسة أمنية لا تريد لا المخاطرة ولا المجازفة ببرمجة المباراة في جنح الظلام، حيث يصعب رصد المشاغبين والخارجين عن السيطرة، ومؤسسة اقتنت حقوق البث الحصري للمنتوج الكروي بملايين الدولارات، ومن حقها أن تفرض له زمنا وتوقيتا للبث، لتحقق ما يبدو لها رقما قياسيا من حيث العائدات، وبين المؤسستين نقف نحن المغاربة، متأملين أن يكون هذا الديربي لحظة فارقة في زمن انبعاث المنافسة العربية الأغلى والأثمن والأكثر استيعابا لأحلام العروبة، ولكي يكون هذا الديربي بذهابه وإيابه على أرضية ملعب النار مركب محمد الخامس بالدارالبيضاء، لحظة فارقة وتاجا على رأس النسخة التي تتشرف بحمل إسم حكيم الأمة العربية صاحب الجلالة الملك محمد السادس، لابد من مراعاة وتدقيق كل الجوانب التنظيمية والرياضية، التي تبدأ من تأمين الديربي وتخليصه من كل ما يمكن أن يخرجه عن سحره وجماليته وسلميته، وفي ذلك وجب احترام المقاربة الأمنية ووضعها على رأس الأولويات، وتمر عبر احترافية تدبير زمن الديربي بفصوله وهوامشه بعدم تعكير صفوه وانسيابيته بأي من الإختلالات وتمكينه من صافرة نزيهة ومتمكنة تسيطر على هيجاناته وتمسك بلجامه فتمنع عنه الجموح، وتنتهي بدفاع الفصائل المناصرة للوداد والرجاء عن السمعة العالمية التي باتا يتمتعان بها، هي ما يجعل اليوم من الديربي في كأس محمد السادس للأندية العرب الأبطال اللحظة الأكثر جاذبية. إن أكثر ما يجب أن تؤمن به جماهير الوداد والرجاء، هو أن الديربي في شكله الحالي سينتهي بإعلان فريق متأهلا وآخر خارجا من المسابقة، وإذا ما حضر هذا الإقتناع عند الفصائل المناصرة للوداد والرجاء، كان ممكنا أن تتوجه هذه الفصائل بكل عبقرياتها إلى إنتاج ما يزيدنا متعة وبهجة، بما يبدعونه من أناشيد ومن لوحات كاليغرافية، لنهدي في النهاية أشقاءنا العرب ديربيا مغربيا يستحق أن يكون تاجا على رأس كل العرب، نشيدا مغربيا يسافر من المحيط إلى الخليج.