ليست مفاجأة أن نسقط مارسيليا وليون قراري باللعب للأسود صادر عن القلب أنا جاهز لتلبية نداء الوطن أنتظر موسما أنطولوجيا وأعرف كيف أصَرِّف الضغط لست مستعجلا فلن أنال إلا ما كتبه الله لي أنا شديد الإرتباط بأصولي، بوطني وبعائلتي عندما وضعت الأندية الفرنسية خاتمة لافتتاح مثير للبطولة الفرنسية في موسمها الجديد، لم يكن هناك من حديث إلا عن مفاجأة واحدة كانت من عيار ثقيل، وعن فريق كسر كل الموانع وحقق نتيجة ضربت كل التوقعات.. كانت تلك المفاجأة المدوية هي فوز نادي ستاد ماليرب كاين بقلعة فيلودروم على بطل الموسم الماضي أولمبيك مارسيليا أمام قرابة 60 ألف متفرج، ولأن لكل الليالي الأرجوانية عرسان كبار، فقد توحدت الصحافة الفرنسية في وصف المغربي يوسف العرابي الذي يوجد في ربيعه الثالث والعشرين بإعجاز الليلة. ولأننا في "المنتخب" ترصدنا هذا الفتى المنحدر من قلعة مكونة منذ فترة، فقد سعينا الموسم الماضي عندما كان يحفر مع ناديه كاين الخنادق للوصول إلى القسم الأول إلى الإتصال به لسبر أغواره، قبل أن تهزمنا معلومة مغلوطة سر بها أحد إداريي نادي كاين، إدعت أن يوسف العرابي كان جزائري، مع أنه مغربي قلبا وفكرا، هوية وإبداعا وإنسانية.. ولأن الفوز الأنطولوجي الذي تحقق أمام مارسيليا بالقلعة الساخنة فيلودروم، فإن المباراة الثانية للفريق الصاعد أمام نادي أولمبيك ليون عن الجولة الثانية سحبت البساط من كل المباريات الأخرى.. لقد شاءت أحكام البرمجة أن تضع كاين الصاعد مرة أولى أمام بطل الموسم الماضي، ثم مرة ثانية أمام وصيف بطل الموسم الماضي، وكأني بهذه الأحكام أرادت أن تنطق بحكم نهائي في حق نادي كاين ومجموعته المشاغبة، وطبعا ما كان ينبغي أن نفوت الفرصة، فرصة التحرك صوب كاين، لمشاهدة هذه المباراة التي كتب لها أن تكون مباراة قمة، ولنضع العين تحديدا على الناشئ المغربي يوسف العرابي.. لم يكن بملعب ميشيل دورنانو يومذاك أماكن شاغرة، فالملعب الذي يتسع لقرابة 22 ألف متفرج، كان به نحو 20 ألف متفرج، وقبل أن آخذ مكانا لي بين الزملاء الصحفيين، كنت قد عرجت على مستودع ملابس كاين قبل الشروع في التسخينات، والتقيت يوسف العرابي وكانت كل ملامحه تقول بأن الفتى في غاية التركيز، قلت له: «جئت ممثلا لجريدة "المنتخب" لأقول لك حظا سعيدا.. ولألتقيك مع نهاية المباراة، فالمغاربة أصبحوا شغوفين بك بعد مباراتك الرائعة أمام مارسيليا». بأريحية كبيرة تنطق بروعة الأصول وأصالة المعدن أجاب العرابي: «شكرا لك، أتمنى أن يوفقني الله هذا المساء، وطبعا لن أقول لك مرحبا، فأنت بين أهلك، ألتقيك بعد المباراة إن شاء الله». لم تكن المباراة قد أنهت دقيقتها الثانية، حتى إشتعلت المدرجات بفرح هيستيري، فقد شاهد العشرون ألفا هدفا أنطولوجيا كان السيناريو والإخراج ودور البطولة فيه للنجم المغربي يوسف العرابي، فقد تلقى كرة ممررة في العمق، استقبلها على طريقة الكبار، لمح بطرفة عين أن حارس ليون ليوريس متقدم عن مرماه، رفع الكرة لتسكن الشباك وليكون الهدف الأول الذي أشاع جوا إحتفاليا لا يوصف.. لا أريد أن أدقق في وصف مباراة في صورة إعجاز، ولكن ما كان في فواصل رائعة تلك الليلة أكبر بكثير من أن يوصف، فقد خرج يوسف العرابي من ليلته الثانية عريسا فوق هودج، لم يسجل هدفه الثاني فحسب ولكنه قدم تعريفا مفصلا بإمكاناته الفنية العالية. في المنطقة المختلطة التي يتربص فيها الصحفيون عادة بنجوم المباراة بعد نهايتها طبعا، كان الكل في انتظار يوسف العرابي لمحاصرته بمزيد من الأسئلة، وبمجرد أن خرج الفتى بوجهه الضاحك، كيف لا، وقد أطاح مع فريقه كاين بنادي أولمبيك مارسليا، حتى تهافت الصحفيون نحوه مدججين بأسئلتهم التي أجاب عليها سريعا، ليتفرغ لي ولقراء المنتخب. - المنتخب: ليلة أخرى رائعة، ما أظنك إلا سعيد بما أنجزته اليوم أمام أولمبيك ليون، بعد الذي قدمته من أداء رائع بمارسيليا؟ يوسف العرابي: طبعا، أحمد الله على أنه وفقني اليوم لأحقق مع زملائي فوزا صعبا وكبيرا على فريق تعرفون جيدا إمكانياته وتاريخه ونجومه أيضا، أظن أننا وضعنا كل الإثارة إلى جانبنا وحسمنا المباراة لصالحنا، وفي النهاية لا يمكن إلا أن نكون سعداء كفريق صاعد للقسم الأول يتمكن في أولى مبارتيه من الفوز على بطل الموسم الماضي وعلى وصيفه واعتلاء صدارة الترتيب. لا أعتقد أننا كنا نحلم ببداية أفضل من هاته.. المنتخب: بداية تجعلكم تبحثون هذا الموسم على شيء أكبر بكثير من مجرد تأمين البقاء كما هو حال كل فريق صاعد؟ يوسف العرابي: يكون جيدا أن تحقق كفريق صاعد الفوز في أول مبارتين وعلى ناديين من عيار ثقيل، حصلنا على ست نقاط أي على العلامة الكاملة، أتصور أن هذا أمر جيد، إنه يعزز الثقة بإمكانياتنا ويدفعنا لبذل مزيد من الجهد، وأتصور أن أفضل طريقة هي أن نتعامل مع كل مباراة على حدى، وفي النهاية لن ننال سوى ما نستحقه. - المنتخب: الفوز على ناديين من عيار أولمبيك مارسيليا وأولمبيك ليون يضع عليكم ضغطا كبيرا، ما يعني أن لا أحد سيستصغركم بعد اليوم؟ يوسف العرابي: هذا ما كنا نريده، هو أن يحترمنا الكل، صحيح أن فريقنا صاعد حديث، ولكن طموحنا كبير.. لا حدود له. - المنتخب: وأنت هل كنت تتوقع أن تكون بداياتك على هذا النحو الرائع؟ يوسف العرابي: عندما انتهيت من الموسم الماضي الذي حققنا خلاله الصعود إلى القسم الأول، إحتجت إلى ما يساعدني على إعمال النقد الذاتي، فقررت أن أنزوي نفسي بعيدا عن وسطي الكروي، كنت بحاجة إلى أكسجنة فكرية، وقد ساعدني ذلك على تهييء نفسي ذهنيا لمواجهة تحديات الموسم الكروي الجديد، بخاصة وأن طموحي كبير في فرض إسمي داخل البطولة الفرنسية، كانت هذه أول خطوة قمت بها، وهي خطوة مهمة أن أتهيأ ذهنيا لما ينتظرني، ثم جاءت مرحلة التحضير البدني والتكتكي، وقد أقبلت عليها بفهم كبير، وتمكنت من الحصول على أعلى جرعة ممكنة، لذلك أرى أن كل ما أقدمه اليوم هو نتاج لتحضيرات ممنهجة.. - المنتخب: إسوة بباقي زملائك، هل تشعر بنوع من الضغط؟ يوسف العرابي: أمر طبيعي، فلاعب كرة القدم لا يمكن أن يعيش بعيدا عن الضغط، صحيح أن البداية الجيدة تطوقني بمسؤولية، وتلك المسؤولية تأتي في صورة ضغط، فأنا مثلا أشعر أن المغاربة أصبحوا كلهم يتابعونني، وهذا يزيد من الضغط، ولكن لنقل أن الضغط إذا ما أحسنت التعامل معه، فإنه يتحول لحافز على مزيد من العطاء، عموما أنا بأفضل حال. - المنتخب: هل تشعر أن ما قدمته أمام مارسيليا وليون جعل منك أحد أكبر نجوم بدايات البطولة الفرنسية يحقق أحلامك القديمة والجديدة؟ يوسف العرابي: في مقام أول، كل ذلك يقوي ثقتي بنفسي وبإمكانياتي ويعطيني متعة لا تقاوم، في النهاية نحن فريق صاعد، قوامه مجموعة شابة ومتجانسة قوتها في أنها تلعب بطريقة جماعية ولا وجود فيها للنجم المطلق. - المنتخب: ولكنك أنت أصبحت نجم هذا الفريق؟ يوسف العرابي: الأمر مرتبط بالمعنى الذي نعطيه لمصطلح نجم.. أنا وفقت في مبارتين، سجلت هدفين، ولكن الذي فاز في المبارتين هو الفريق، ولست أنا وحدي من هزم مارسيليا وليون، أنا سجلت هدفين من أصل خمسة أهداف، وتلك الأهداف سجلتها بمساعدة زملائي، عموما لست من النوع الذي يريد أن يجلب كل الأضواء إليه، من يستحق الأضواء هو الفريق بكل مكوناته. - المنتخب: في النهاية ليس غريبا عليك أن تكون هدافا في بداية بطولة الموسم، نذكر أنك سجلت الموسم الماضي 11 هدفا عندما كان فريقك بالقسم الثاني؟ يوسف العرابي: أنا ألعب مهاجما، وبالطبع أكون باستمرار قريبا من المرمى وأحصل على فرصة أكبر للتهديف، برغم أنني أعتمد في ذلك كثيرا على عنصر المباغثة، ثم إن هناك شيئا مهما، هو أنني صورة من فريق يعمل وفق نسق تصاعدي، ما يعني أن هناك استمرارية، لقد قمنا بمرحلة تحضيرية قوية لنطور أداءنا الجماعي، نحن كمهاجمين نقوم بما تلزمنا به الأدوار وزملاءنا الآخرين من مدافعين ووسط يقومون أيضا بأدوارهم، لذلك فالنجاح هو نجاح جماعي. - المنتخب: طيب، بماذا كان ينصحكم مدربكم فرنك دوما قبل أن تظهروا في بطولة الموسم الجديد؟ يوسف العرابي: كما هي العادة فإن الإنجازات هي التي تحدد اختيارات المدرب، فإذا ما كنت جيدا في المباريات التي ألعبها فهذا معناه أن المدرب أجاد الإختيار. - المنتخب: عندما يكون اللاعب ناشئا فهذا يعني أن أمامه خطا مستقيما لا بد أن يمشي فيه، ليحسن أداءه ومستواه ويطور ملكاته.. يوسف العرابي: كما كنت أقول دائما فأنا أتعلم باستمرار تقنيا وتكتيكيا، هناك عمل كبير ينتظرني وسأبذل قصارى جهدي لأنجز هذا العمل على الوجه الأكمل، وهذا لا يعني أبدا أنني متأخر أو أن هناك تفاوتا بين المستوى الذي بلغته وبين عمري. - المنتخب: لاعب في سنك وطموحك، يشاهد مباريات الآخرين ليتعلم ويطور أداءه، هل تابعت كأس العالم الأخيرة، وماذا استفدت منها؟ يوسف العرابي: بالفعل تابعت مباريات كأس العالم بعين الملاحظ، فأنا أحب مشاهدة أساليب اللعب في تنوعها، وأركز كثيرا على أداء المهاجمين، تحركاتهم، نداءاتهم على الكرة وتعاملهم مع الفرص التي تتاح لهم.. - المنتخب: الصحافة الفرنسية لعلمها بأصولك المغربية، وبعد مباراتك الكبيرة أمام مارسيليا حاصرتك بسؤال اللحظة، هل تفضل اللعب لمنتخب فرنسا، أم لمنتخب بلدك الأصلي المغرب؟ يوسف العرابي: وكان جوابي قاطعا وجازما أنني أفضل اللعب لبلد الأصول والأجداد المغرب، ولا أعتقد أن هذا القرار وليد اللحظة، بل إنه قرار أخذته قبل سنوات، كان يسعدني أن ألعب لمنتخب في قيمة فرنسا وهو بطل سابق للعالم، ولكن هناك سعادة أكبر وأعمق، إنها سعادة حمل قميص منتخب الوطني.. - المنتخب: ما يعني أنك قطعت دابر الشك؟ يوسف العرابي: ولماذا الشك؟ أنا واضح وحر في إختياراتي ولا شيء يكرهني على أن أختار أمرا ضدا عن إرادتي، هذا كل شيء. - المنتخب: وهل حصلت من الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم على إشارة تقول بقرب انضمامك لأسود الأطلس؟ يوسف العرابي: نعم كان هناك اتصالات وقد طلبت لإعطاء موقف نهائي، وأعطيته بدون أدنى تردد، أنا مغربي، فخور بمغربيتي وسأتشرف يوم أستدعى لحمل قميص الأسود، أنا أنتظر دعوة الناخب الوطني.. - المنتخب: لا بد وأنك تتابع الفريق الوطني، وتعرف أنه مر بمرحلة صعبة؟ يوسف العرابي: هذا حال كل المنتخبات، إنها سنة الحياة، الكل يمر من مرحلة فراغ، المهم أن لا تطول هذه المرحلة، لأنها كلما طالت إلا وتقوض صرح الثقة، لذلك ينبغي أن نتحرك في الإتجاه الصحيح الذي يقول بضرورة إعادة البناء، وأتصور أن للمغرب لاعبين بمستوى عال يمكنهم تشكيل منتخب قوي.. - المنتخب: فريق وطني قوي تكون أنت أحد قواعده؟ يوسف العرابي: لماذا لا؟ عموما أنا جاهز لأعطي للفريق الوطني كل ما أملكه، وأنا موقن أن غد الأسود سيكون أفضل بكثير من أمسهم. - المنتخب: هل تعتقد أنك ستكون مع الفريق الوطني في مباراته القادمة أمام إفريقيا الوسطى؟ يوسف العرابي: القرار بيد الناخب الوطني، ثم إن هناك إجراءات لا بد من إنجازها، وأنا شخصيا لا أتعجل، أنتظر لحظة المناداة علي بفارغ الصبر لأسهم مع زملائي في التحليق مجددا بالفريق الوطني. - المنتخب: بعد مبارتيك الجيدتين ظهرت أندية تعرض عليك الإنضمام لصفوفها وكان هناك قلق داخل إدارة كاين وأنت لم تمدد عقدك؟ يوسف العرابي: كل ما في الأمر أنني أعطيت نفسي ما يكفي من الوقت لأصل لأفضل قرار، صحيح أنه كانت هناك عروض من أندية وازنة، ولكن عندما تعمقت في قراءة كل المعطيات وجدت أن الأفضل لي أن أستمر مع فريقي كاين، لذلك مددت عقدي إلى غاية سنة 2013، علما بأن هناك شرطا في العقد يفتح هامشا للتفاوض بشأن أي عرض يقدم لي ولإدارة الفريق.. - المنتخب: إذا أنت فضلت الإستقرار على المجازفة بأي إنتقال غير محسوب؟ يوسف العرابي: أظن أنني أحصل مع كاين على هامش كبير لتطوير إمكانياتي، وحتما فإن هذا الموسم سيكون حاسما في تقرير مستقبلي، أتمنى على الله أن أستمر في نفس الخط التصاعدي وأتفادى قدر الإمكان إصابات تعطل هذه الإستمرارية. - المنتخب: ماذا يحب يوسف في الحياة؟ يوسف العرابي: أحب أن أظل وسط الأسرة، فأنا منحدر من أسرة متدينة شديد الإرتباط بين أفرادها، كما أقضي وقتي الآخر مع أصدقائي، أجد متعة في إرتياد دور السينما أو الجلوس أمام التلفاز، كما أنني حريص دائما على أن أعرف كل أحوال الأسرة بالمغرب.. حاوره بفرنسا مندوبنا: ميمون محروج Paris .Mimoun Mehroug