النهاية المأساوية لمدينة سجلماسة 1. عوامل الاندثار بدأت مدينة سجلماسة في التدهور منذ فترة حكم أبي الحسن المريني خلال منتصف القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي، قبل أن تندثر نهائيا في عهد أبي العباس أحمد مع نهاية هذا القرن (حوالي سنة 795–802ه /1393–1400م) فتفرق سكانها في قصور خاصة بهم بالضواحي. فما بين (سنة 733ه/1333م و749ه/1349م)، صمتت المصادر المكتوبة ولم تخبرنا أبدا عن أحوال المدينة التي كانت ربما تنعم نسبيا بقسط من الأمن والاستقرار. في (سنة 749ه/1349م)، وفي الوقت الذي فشل فيه أبو الحسن في السيطرة على إفريقية، وبعد التأكد من نكبته بالقيروان، "استمع أبو عنان إلى نصائح عثمان بن جرار الذي كان في قلبه"[1]، فثار ضد أبيه بفاس واحتل سجلماسة وعين عليها عاملا مواليا، وهكذا تراجع أبو الحسن في بسط نفوذه على المغرب الأدنى وتلمسان، فعاد مباشرة إلى سجلماسة (سنة 750ه/1350م) حيث استقبلته قبائل بني معقل بينما فر عامل أبي عنان إلى أحد القصور ليتحصن به، فقام أبو عنان بالهجوم على المدينة فأخرج منها أباه وعين عليها حاكما جديدا (سنة 751ه/1351م)، ثم عاد إلى فاس، في حين توجه أبو الحسن إلى مراكش حيث توفي بها في نفس السنة. من (سنة 751ه/1351م) إلى (سنة 761ه/1360م) استعادت سجلماسة بعض استقرارها قبل أن تعرف من جديد سلسلة من التمردات والثورات. ففي (سنة 761ه/1360م) قام الأمير عبد الحليم بن أبي علي بن أبي سعيد عثمان بمحاولة للسيطرة على الحكم بفاس، إلا أنه فشل مما جعله رفقة أخيه عبد المؤمن وصهره عبد الرحمان يتراجعون ويلتجئون بسجلماسة "فأقام بها رسوم الملك والسلطان ووزع خراجها في عرب المعقل وأقطعهم جنات المخلص بأسرها واعصوصبوا عليه"[2]. وبذلك نجح في السيطرة على المدينة، بل وقام بالثورة ضد الوزير عمر ابن عبد الله الذي أقال أبا عنان وقتله (سنة 758ه/1357م). وكادت الحرب أن تندلع بين الرجلين لولا تدخل الفرقاء لإصلاح ذات البين بينهما فوقعا عقد اتفاقية تم بموجبها توزيع النفوذ الترابي بينهما. فاستقل عبد الحليم بسجلماسة، حيث بايعته جميع "عرب المعقل وأقطعهم الأراضي وجباية خراج بلاد درعة والسوس مكافئة لهم.. وبهذه المساعدة جسد بنو معقل الروابط التاريخية التي جمعتهم مع الأمير أبي علي عند خروجه في الناحية، إذ استمر إخلاصهم لأبنائه من بعده"[3]. يتبع في العدد المقبل.. ----------------------------------------------- 1. ابن خلدون عبد الرحمن، العبر. مصدر سابق، الجزء: 7، ص: 368. 2. ابن خلدون عبد الرحمن، نفس المصدر، ص: 422-423. 3. أبو ضيف مصطفى أحمد، مرجع سابق، ص: 187.