هذا هو المقال الواحد والعشرون مِن هذه السلسلة التي عنونتها ب: "من غرائب حفظ المغاربة والأندلسيين لكتب الحديث". وهو كسَابِقَيْه مخصصٌّ لحفّاظ الحديثِ مِن علمائِنا المعاصرِين بهذا القطْر المغْربي، وهم جميعا مُحْيُوا ذِكرى مَن سبق مِن كبار الحفاظ، وشواهدُ على استمرارِ العناية بالحديثِ الشريف حفظًا وبحثًا بالمغرب، وأنه ما تزال تظهر به طائفةٌ مِن ذوي الشفوف في هذا الفن حفظا ومعرفة. وقد مضى في المقالين السابقيْن الإمامُ سيدي أبو شعيب الدكالي، والعلامة سيدي المدني بن الحُسني، رحمهما الله. وسأورد في هذا المقال العلامة الفقيه سيدي عبد الرحمان النتيفي الذي أحيى الله به فنون الأثر، وأفنى عمُره في بثِّها، وكان له مِن مُتَقَدِّم العنايةِ بها ما صيّره ملحوظا بذاك بِعُيون مشايخه، وهذا ما تُظهره نصوصُ إجازاتهم المصرحة بوصفه بالحفظ، والرامزة إلى عنايته بالأثر. وقد ذكره ابنه الفقيه سيدي الحسن رحمه الله بقوة الحافظة، وكمال آلتها، وأنه رحمه الله تعالى كان يتعانى حفظَ الأحاديث بأسانيدها. وهذه عادة الحفاظ المتقدمين. وهذا سياق ما تقدم مضمونه مما يتعلق بشخصية هذا الجزء: العلامة الفقيه السيد أبو زيد عبد الرحمان بن محمد النتيفي الجعفري (1385) قال عنه ابنه السيد الفقيه حسن النتيفي: "حافظ لحديث رسول الله، أصيب بفقد البصر، فعوض الله عماه بنور البصيرة والذكاء الخارق وقوة الحفظ، فتُسرد عليه المئات من الأحاديث بأسانيدها، فيحفظها عن ظهر قلب، ويسردها عليك"[1]. وقال فيه شيخه العلامة أبو شعيب الدكالي في إجازته له: "قد استجازني أخونا في الله الألمعي الذكي الحافظ اللودعي الفقيه السيد عبد الرحمان بن محمد النتيفي"[2]. وذكره شيخه العلامة علي الدمناتي في إجازته له -بعد أن حلاه بالفقيه العلامة النجيب- بالفهم والحفظ عجيب[3]. وسأعود في المقال المقبل إن شاء الله إلى شخصية أخرى. ------------------------------ 1. "مختصر ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أبي زيد الحاج عبد الرحمان النتيفي الجعفري" لولده الفقيه الحاج حسن النتيفي"، ص: 9، (ط: 1: 1400/1979). 2. "مختصر ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أبي زيد الحاج عبد الرحمان النتيفي الجعفري"، ص: 9. 3. "مختصر ترجمة شيخ الإسلام رحمه الله أبي زيد الحاج عبد الرحمان النتيفي الجعفري"، ص: 10.