فِكْر الإنسان ووجدانه هما حلقة الوصل بين الوحي والكون وحقائقهما من جهة، وبين ذات الإنسان وواقعه من جهة ثانية. وعليه فإن حسن عيش الإنسان فردا واجتماعا فوق هذا الكوكب، يتوقف على سلامة وضبط ودقة وفاعلية المناهج والنماذج التي بها يتم بناء الفكر والوجدان وهندستهما.. فالتمثلات والرؤى وأضرب التوق الكامنة، بمثابة المفاعل التصوري الذي يصهر ويصنّف وينظم كل ما يرد على الإنسان من داخله أو يفد عليه من خارجه، وهو مفاعل له أهمية حاسمة في مجالات المعرفة والشعور إذ هو المحدد لطبيعتهما ووجهتهما.. وقد بدأت كثير من الأبحاث المعرفية المعاصرة تولي هذه القضية اهتماما متزايدا، غير أنه لم يبلغ بعد درجة الكفاية التي ينم عنها ويؤشر عليها مدى عبور ثمرات هذه الأبحاث إلى المناهج والبرامج التربوية، وإلى الجوانب الفنية والإعلامية وكذا الإنتاجية. إن إرساء قواعد الفكر وأسس الوجدان وهندستهما يدخل بامتياز في ما نبه إليه القرآن الكريم حين الحديث لأول مرة تُعلمُ في تاريخ البشرية، عن صناعة الإنسان في كل من قوله تعالى في حقّ موسى عليه السلام "ولتصنع على عيني" [ طه، 39] وقوله سبحانه: "واصطنعتك لنفسي" [طه، 41]، وهي صناعة تتم حسب مناهج ونماذج تختلف من حيث قدرتها على إطلاق طاقات الإنسان، ومن حيث الوجهة التي سوف تضيفها لهذه الطاقات، وهو اختلاف ناجم أساسا عن مدى استدماج هذه المناهج والنماذج للحقائق الموجودة في الكون مرجع الحركة، والوحي مرجع الوجهة، وتناسقها معها.. وقد أدى عدم إيلاء هذه القضية الأهمية اللازمة، إلى أن يكون بناء الفكر والوجدان في كثير من محطات تاريخ البشرية عشوائيا تلفيقيا، أو أحيانا تحكميا، مما أنتج وينتج مشاكل وآفات ليست بالقليلة. ورغم أن القرآن والسنة النبوية في فضائنا الحضاري غنيان بالبينات والإشارات الهادية بهذا الخصوص، فإنها لم تُتَلق بشكل كاف ومؤسس، وهو أمر وجب العمل على استدراكه.