[محمد المختار السوسي الشاعر الأصيل] يعتبر محمد المختار السوسي من الشعراء الفطاحل، فقصائده حافلة، تعبر عن مرحلة معينة من التاريخ الوطني والفكري، وهي بذلك تستحق أن تدرس لإجلاء خصائص المدرسة التي كان ينتمي إليها شاعرنا الكبير، والذي عُرف بفيض العاطفة وصدق المشاعر، وكان رحمه الله ضنين بشعره، فلا ينشره بين الناس ولا يريد أن تكون له أبواق تديعه، وإنما يكتفي بقراءته على صفوة من أصدقائه قراءة شجية، ثم يطوي قصائده ويدسها بين الأوراق. وقد صدرت بمجلة دعوة الحق مجموعة من قصائده تحت عنوانين جميلين ومعبرين هما "ديوان دعوة الحق" أو "من شعر الكفاح". هذه القصائد هي كما يلي: أ. قصيدة "كأنك من كل القلوب مكون"[1]: خاض الأدب المغربي معركة المقاومة والتحرير بكل ألوانها، إما مواكبا لها أو متقدما عليها يمهد لها الطريق ويفسح لها المجال. ولم يخرج الشاعر الفذ محمد المختار السوسي عن هذه القاعدة، ومن ذلك قصيدته هاته التي نظمها في رثاء شاب وطني من مدينة سلا لم يكن يحمل سلاحا وإنما قلبا عامرا بالإيمان والغيرة الوطنية، فصور كفاح هذا الشاب ومرضه وموته تصويرا صادقا. وكانت حركة المقاومة في تلك الفترة تكتسي صبغة إصلاحية ضدا على دعاوي المستعمر في نشر الميع والانحلال الخلقي بين الشباب المغربي، مما حدا بالشاب السلاوي إلى اقتحام الحانات وإتلاف ما بها من خمر تحديا لإرادة الاستعمار ووقوفا في وجه أهدافه الدنيئة. وكان من الطبيعي أن يعرف هذا الشاب السجن وأن يذوق ألوانا من الأذى والإضطهاد، إلى أن غادره وهو يحمل بين جنبيه داءه الذي أودى بحياته، فبكاه المغرب قاطبة لما عرف عنه من وطنية وخلق جميل، وهو ما عبر عنه شاعرنا الكبير في هذه القصيدة التي يستهلها بقوله: حييت وإن أرمست يا طيب الذكر وخلدت خلدا باقيا أمد الدهر ظفرت –كما قد تظفر دائما- بأحدوثة ما تزال إلى الحشر وهل كنت إلا زهرة طاب نشرها فزاد لها التقطير نشرا إلى نشر وقد كنت ريحان القلوب جميعها فها أنت فيها الآن، لا في حشا القبر ويختم العلامة قصيدته بقوله: عليك سلام يوم كنت ويوم أن نهضت وإذ أٌلقيت في ذلك العقر وإذ كنت بالآلام منجدلا لقى وأنت أسير الجسم منطلق الفكر وإذ كنت بالفردوس تمرح ناعما تروح إلى قصر وتغدو إلى قصر وإذ كان ما خلفت من طيب الثنا يردد ألحانا بألسنة الشعر فتنفح في الأقطار شرقا وغربا بمالك يا حصار من طيب الذكر يتبع في العدد المقبل… ————————– 1. دعوة الحق، العدد 6 السنة الثانية 1959- ص: 54-59.