يقول عز وجل: "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والاَرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا" [الكهف، 14]. سيقت الآية الكريمة في مقام قصصي يصور نبأ فتية أهل الكهف المؤمنين الذين زادهم الله تعالى هدى[1]. فهؤلاء كان لهم موقف من قومهم لأنهم اتخذوا من دون الله آلهة لقوله تعالى: "هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه ءَالهة لولا ياتون عليهم بسلطان بين فمن اَظلم ممن افترى على الله كذبا" [الكهف، 15]. ولما ربط الله تعالى على قلوب هؤلاء الفتية فثبتهم على الحق قاموا إلى قول الحق واضطلعوا بواجب الجهر به، وهكذا تحملوا مسؤوليتهم في التعبير الحر عن ما يرونه حقا. ومن الحق التعريف أولا بربهم الذين أفردوه بالعبادة وحصروا عبوديتهم له دون غيره. وفي ذلك يكمن سر حريتهم وتحررهم؛ لأن الذي يحصر عبادته في الله يتحرر من أشياء وأشخاص وأفكار وضعها البشر ليستعبد بعضهم بعضا من النواحي الفكرية والمجتمعية والروحية… لقد عرفوا ربهم بقولهم: "ربنا رب السماوات والاَرض". فهو سبحانه لما كان منزها عن الجسمية وخصائص المحدثات كان هو المستحق للعبادة والمتفرد بالألوهية دون سواه لقوله: "ربنا رب السماوات والاَرض لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا"[2]، وذكروا الدعاء كما قال الإمام بن عاشور: "دون العبادة لأن الدعاء يشمل الأقوال كلها من إجراء وصف الإلهية على غير الله ومن نداء غير الله عند السؤال"[3]. يبدو من موقف هؤلاء الفتية جرأتهم في التعبير الحر عما يرونه حقا؛ لأن السكوت عن ذلك وعدم الجهر في هذا المقام نوع من الشطط، أي نوع السلبية المستنكرة؛ لأن فيها من الإفراط والمبالغة بقدر ما فيها من مناقضة الحق ومعاكسة الصواب. ————————————— 1. قال تعالى: "نحن نقص عليك نبأهم بالحق إنهم فتية ءَامنوا بربهم وزدناهم هدى" [الكهف، 13]. 2. وقال تعالى على لسان موسى لفرعون: "قال فرعون وما رب العالمين قال رب السماوات والاَرض وما بينهما إن كنتم موقنين" [الشعراء، 22-23]. 3. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 15، ص: 273.