يقول عز وجل: "قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الاَرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال هذا صراط علي مستقيم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان اِلا من اتبعك من الغاوين" [الحجر، 39-42]. لما كانت خلقة الشيطان خلقة إغوائية فإنه يغوي الناس، أي يزين لهم الشهوات المحرمة وأنواع المخالفات والمعاصي، ولا يزين لهم الطيبات المباحة وأنواع الاستقامة والطاعات. فالباء في قوله : "رب بما أغويتني" سببية، أي بسبب إغوائك إياي فسأغوي الناس[1]. ويظهر ذلك في تزيين ما في الأرض من شرور وتحسين ما فيها من مساوئ. فالشيطان يزين الشرور والسيئات حتى يراها الناس حسنة. واستثنى من ذلك عباد الله عز وجل المخلصين، وذلك في قوله تعالى: "إلا عبادك منهم المخلصين". وعلى كل حال يظهر من هذه الآيات الكريمة مطلوب إبليس المتمثل في إغواء الناس عامة باستثناء المخلصين لله تعالى منهم. وينطوي هذا المطلوب تقسيما للبشر إلى قسمين: قسم غاو، وقسم ثان مخلص. وهكذا اختلف في تحديد المعنى المقصود من قوله تعالى: "هذا صراط علي مستقيم": قيل إن المعنى المقصود هو الإخلاص؛ أي إن هذا الإخلاص طريقه إلي مستقيم[2]. وقيل إن المقصود من هذا القول الإلهي أن هذا طريق علي جوازه لأني بالمرصاد فأجازيهم على اعمالهم، وهو خارج مخرج الوعيد، كما تقول للرجل تخاصمه: طريقك علي، فهو كقوله: "اِن ربك لبالمرصاد" [الفجر، 14]. وقيل إن المقصود هنا هو أن هذا صراط علي استقامته، أي ضامن لاستقامته بالبيان[3]. ومهما يمكن أن يقال في شأن اختلاف المفسرين في تفسير المراد الإلهي من هذه الآية فقد جعل الله تعالى استثناء المخلصين له من الوقوع في مهاوي الغواية الشيطانية سنة ثابتة من سننه. وبمقتضى هذه السنة، أو لنقل بمقتضى هذا "الصراط المستقيم" فإن الشيطان لا يغوي إلا من اتبعه من الغاوين. بكلمة أخرى إن المعنى المقصود، وكما قال العلامة ابن عاشور رحمه الله: "أن الله وضع سنة في نفوس البشر أن الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاويا، أي مائلا للغواية مكتسبا لها دون من كبح نفسه عن الشر فإن العاقل إذا تعلق به وسواس الشيطان علم ما فيه من إضلال وعلم أن الهدى في خلافه. فإذا توفق و حمل نفسه على اختيار الهدى و صرف عزمه قوي على الشيطان فلم يكن عليه سلطان"[4]. ———————————————– 1. الرازي، مفتيح الغيب، ج: 19، ص: 153. 2. علي هنا بمعنى إلي. 3. ابن الجوزي، زاد المسير ج: 4 ص: 402. 4. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 14، ص: 52.