لا تتوقف الرؤية المستقبلية في التأسيس لحقوق الإنسان وتفعيلها على التجديد في مفهوم الإنسان وحقوقه إسلامياً، وإنما وبنفس القدر ينبغي تجديد رؤية مستقبلية لمقاصد الشريعة وتفعيلها، فالعديد من الملاحظات العصرية أثيرت حول "علم أصول الفقه" وقدرته على تجديد الحياة العلمية الإسلامية[1]، وضرورة التجديد في مقاصد الشريعة وبلورتها إذا بقيت تابعة لأصول الفقه، أو التأصيل لها كعلم مستقل عن أصول الفقه، يقول الشيخ الطاهر بن عاشور: "فنحن إذا أردنا أن ندون أصولاً قطعية للتفقه في الدين حق علينا أن نعمد إلى مسائل أصول الفقه المتعارفة، وأن نعيد ذوبها في بوتقة التدوين، ونعيرها بمعيار النظر والنقد، فننفي عنها الأجزاء الغريبة التي علقت بها، ونضع فيها أشرف معادن مدارك الفقه والنظر ، ثم نعيد صوغ ذلك العلم ونسميه علم مقاصد الشريعة، ونترك علم أصول الفقه على حاله، تستمد منه طرق الأدلة الفقهية، ونعمد إلى ما هو من مسائل أصول الفقه غير منزو تحت سرادق مقصدنا هذا من تدوين مقاصد الشريعة، فنجعل منه مبادئ لهذا العلم الجليل علم مقاصد الشريعة. فينبغي أن نقول: أصول الفقه يجب أن تكون قطعية، أي من حق العلماء أن لا يدونوا في أصول الفقه إلا ما هو قطعي إما بالضرورة أو بالنظر القوي، وهذه المسألة لم تزل معترك الأنظار"[2]. فإذا نظرنا إلى علم أصول الفقه كعلم أصولي منهجي، تم تدوينه على مراحل وتطور في الاجتهاد الأصولي في نشأته الأولى؛ فإنه في العصر الحديث قابل للاجتهاد والتطوير عليه، بحسب الضرورة العلمية والزمنية، وما يصنف في هذا العلم أو في علم مقاصد الشريعة هو علم اجتهادي أصولي جديد، ليس بالضرورة أن يلغي التصنيف الماضي، بل هو مرحلة متطورة عنه، ولكنه أكثر استجابة للأنظمة المعرفية المعاصرة، وأكثر قدرة على معالجة المشاكل المعاصرة[3].. يتبع في العدد المقبل.. ——————————————————- 1. انظر: إشكالية تجديد أصول الفقه، الدكتور أبو يعرب المرزوقي، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الأولى، 1426ه – 2006م، ص: 155. 2. مقاصد الشريعة، ابن عاشور، مصدر سابق، ص: 8. 3. انظر كتاب: نحو تفعيل مقاصد الشريعة، الدكتور جمال الدين عطية، ص: 235.