العلوم الشرعية وأما التصوف فقد كان طغى عليه سيلُ التدليس، فقيَّض الله له مثل ابن خجو والهبطي، فهذباه ونقحاه. وكان الشيخ أبو العباس الصَّومعي، حامل رايته علما وعملا، وممن لم يستغل مقامه وجاهه ولا استغله أحد على كثرة هذا الصنف في المتصوفة بهذا العصر. هذا ما يرجعُ إلى علوم الشريعة. وأما علوم الأدب فالنحو بالخصوص مما ظهر عليه أثر التحوُّل جليا واضحا، فاقتصر طُلابه على اثنين أو ثلاثة من الكتب المختصرة أو المنظومة لا يجاوزونها إلى غيرها أبدا، وقد نشط العلماء في شرح هذه الكتب والتعليق عليها نشاطا لا مزيد فوقه. وأما علوم البلاغة فإنها كانت نافقةً جدا، إلا أن أثرها في الألفاظ كان أقوى منه في المعاني، وعلى الأخص عند بعض الأدباء الذين شُغفوا بالبديع فأكثروا منه إلى حد الإغراب، وقد كان على رأسهم المنصور الذهبي الذي هو في ملوك المغرب كابن المعتز في ملوك المشرق إلا أن هذا لم تدركه حرفة الأدب كما أدركت سلفه. وأما علم التاريخ فهو الوحيد في علوم الأدب الذي ازدهر في هذا العصر ازدهارا كبيرا إذ رزق رجالا أكفاءً انصرفوا لخدمته ووجهوا اهتمامهم إليه، وبالخصوص تاريخ السعديين الذي لولا هذه العناية لظلَّ محجوبا عن الباحثين، كتاريخ الوطاسيين قبله، محاطا بالغموض الذي يُحوجُ المؤرخ إلى الرَّجم بالظنون وافتراض الفروض، ولعل هذا الاهتمام كان منشأه تعضيد الإشراف السعديين للمؤرخين وعلى الأخص المنصور الذي اجتمع في بلاطه عدد كبير منهم كالعلامة المقري صاحب نفح الطيب، وأزهار الرياض وغيرهما. وأبي العباس بن القاضي، وعبد العزيز الفشتالي، ومحمد بن علي النسب ومحمد بن عيسى الكاتب وغيرهم..ناهيك بفدائه لابن القاضي المذكور، لما وقع في أسر الإفرنج بألوف الدنانير من الذهب. يتبع في العدد المقبل.. عن كتاب النبوغ المغربي في الأدب العربي تأليف العلامة عبد الله كنون الجزء الأول، ص: 241 -242 دار الثقافة.