مهما كانت دوافع من يطالبون بالتنصيب البرلماني للنسخة الثانية من حكومة بن كيران، فإن ما عاشته هذه الأخيرة قبل ولادتها يفرض ضرورة هذا التنصيب، حتى وإن كانت الفصول 68 و88 من الدستور، فتحت لرئيس الحكومة القديم/الجديد عدم إلزام نفسه بهذه الضرورة الدستورية، التي تتم غداة الانتخاب التشريعي وتكوين الحكومة، فمجرد انشغال رئيس الحكومة في إيجاد من يعزز أغلبيته البرلمانية لأكثر من ثلاثة أشهر، وضرورة اتفاق التحالف الحكومي الجديد على صياغة برنامج للعمل الحكومي لما تبقى من عمر الحكومة، يقتضي خضوعها المباشر لعملية تنصيب برلماني جديدة، لإقرار شرعيتها، في ممارسة مهامها بعد الاطلاع على برنامجها الحكومي، ومناقشته مرة أخرى .. خصوصا، في شروط النسخة الثانية، التي لا ينسجم تكوينها وأهدافها مع ما تنص عليه مضامين الفصول الدستورية المتعلقة بها. يؤكد المعارضون لمباشرة الحكومة الجديدة المعدلة لمهامها دون تنصيب برلماني، أن الاستمرارية التي يحتمي خلفها بن كيران، لا تزكي شرعية حكومته، التي لولا ترميمها من قبل الأحرار ما كان لها أن تستمر .. وبالتالي، أن تشكيلتها الجديدة تقتضي أن يكون لها برنامج يؤسس لهذه الشرعية، التي حصلت عليها بعد تعيينها من طرف جلالة الملك، الذي وافق عليها، عقب اتفاق أطرافها على الاشتغال على برنامج عمل، يحدد أولويات تدبيرها للشأن العام الوطني، في جميع القطاعات المسندة إليها في السلطة التنفيذية، وهذا الاشتغال الفعلي يحتاج إلى تزكية من البرلمان، ومناقشته قبل المصادقة على تشكيلتها، وإن أصرت المعارضة على موقفها، فإن هذه الحكومة مقبلة على أزمة دستورية، لن تخرج منها إلا بعد لجوء المعارضة إلى المجلس الدستوري، عقب طعنها في شرعية مباشرة الحكومة لمهامها، اعتمادا على تفسيرها الخاص لمضمون النصوص الدستورية التي تتحدث عن ذلك. المؤسف، أن بن كيران في ندوته الصحفية (الشهيرة) الأخيرة، التي عقدها عقب تشكيل نسخة حكومته الثانية، تعمد أن لا تكون هذه القضية ضمن جدول هذه الندوة، وأن يكون تعليقه على الأسئلة التي طرحت حولها، بعيدا عن التأويل الصحيح للنصوص الدستورية، مع أن الموقف يتطلب منه الحسم في تداعيات النقاش العمومي حولها، والاستجابة لطلب المعارضة في الغرفة الثانية، التي فجرت الخلاف مع هذه الحكومة في بداية تحملها للمسؤولية .. ناهيك، أن الأعراف الدستورية، تقتضي منه أن يقوم بما تطالب به المعارضة تحسبا لأي تصعيد في الخلاف مع البرلمان. إن بن كيران يواجه اليوم إشكالا دستوريا، قد لا يكون في صالحه، إذا ما جاء تفسير المجلس الدستوري لصالح المعارضة، إلى جانب توعد هذه الأخيرة بتأجيج الصراع مع هذه الحكومة في كل الواجهات المفتوحة أمامها، إذن هل ستتمكن حكومة بن كيران الثانية من القيام بمهامها ..؟ وهل يمتلك رئيسها ما يمكنه من إقناع البرلمان بشرعية الخطوات التي يقوم بها ..؟ وهل سيتمكن بواسطة أغلبيته البرلمانية في مجلس النواب من الحسم في هذه الإشكالية الدستورية ..؟ ! لسنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، طرفا في الصراع، الذي يواجهه بن كيران .. وما نتمناه، هو أن يتمكن رئيس الحكومة من إقناع المعارضة في مجلس المستشارين، التي أعلنت عن موقفها المعارض ضده مبكرا، والذي قد يواجه بنفس الموقف في مجلس النواب، رغم توفره على الأغلبية العددية .. خصوصا، إذا أصرت المعارضة في هذا المجلس، على المضي في الخلاف حول مسألة التنصيب البرلماني للحكومة إلى نهاية المطاف، علما أيضا، أننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، نساند التوجه الذي يطالب بدسترة العمل الحكومي، وتزكيته بالتنصيب البرلماني، الذي يمنحه ثقة المؤسسة الدستورية المعنية بالتشريع والرقابة على العمل الحكومي، والواضح، أن مسألة التنصيب الدستوري للحكومة، إذا لم توجد لها معالجة ترضي كل الأطراف، قد تؤدي إلى نتائج لا أحد يعلم آثارها على سير استقرار الوضع السياسي الوطني، الذي يتصدره العمل الحكومي، ويترجمه من خلال السياسات التي تعتمدها في جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية والتدبيرية، تلك السياسات التدبيرية، التي تقوم بها الإدارات الحكومية المختصة، والتي يتبين أن هندسة الحكومة الجديدة، لن تعبر عنها في ظل الاختصاصات الموزعة بين عدة وزارات، والتي لم يتم إلى الآن الحسم في توزيعها بين الحقائب الوزارية القديمة والجديدة، والتي ستخلف معارك وصراعات غير مرغوب فيها داخل هذه الحكومة، بدل أن تتفرغ إلى ما يعزز تضامنها في تدبير الشأن العام الوطني بكيفية سليمة ومنتجة وفعالة، وليكن الله في عون حلفاء بن كيران الجدد، الذين طالبوا بإعادة هندسة البرنامج الحكومي، الذي كان سائدا في النسخة القديمة من هذه الحكومة، وإلى حين تجاوز الحكومة الجديدة لهذه التحديات، لا يسعنا كنقابة للصحافيين إلا أن نطالبها بإعطاء المثل في الوعي والسلوك الحكومي، الذي يترقبه جميع المغاربة. الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربية