نظمت النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل بشاركة مع نقابات صديقة أوروبية الملتقى الوطني الأول للمدرسات والمدرسين بالوسط القروي تحت شعار : " تطوير المدرسة العمومية بالوسط القروي ورفع جودتها ، رهين بتحفيز الشغيلة التعليمية وتحسين أوضاعها " ، وذلك خلال أيام 13 – 14 و15 يناير 2012 بأحد فنادق مراكش ، هذا الملتقى الذي تميزت جلسته الافتتاحية في يومه الأول بحضور كثيف لعدد هائل من الفعاليات التربوية والسياسية والنقابية الحليفة والصديقة بكل من المغرب وفرنسا وبلجيكا وهولندا وإسبانيا وكذا فعاليات من المجتمع المدني ومن الحقل الإعلامي بمراكش ومن سائر الجهات والأقاليم المغربية ، وقد تناوب عن تناول الكلمة أثناء هذه الجلسة كل من السيدة " أنييس بريدا " باسم المنظمة العالمية للتربية ( IE ) ببروكسيل والسيدة " ترودي كيربولين " مسؤولة العلاقات الخارجية ممثلة النقابة التعليمية الهولندية في هذا الملتقى والسيد " خوسي أنطونيو فيرنانديز " باسم النقابة التعليمية " iSCOD " التابعة للاتحاد العام للشغل بإسبانية ، حيث عبروا جميعا عن الدعم القوي ومساندة نقاباتهم التعليمية للنقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل قصد تحقيق الأهداف المنشودة المسطرة في برنامجها النضالي بغية إصلاح منظومة التعليم إن على المستوى المغربي أو الدولي ، وفي كلمة للأخ عبد العزيز إوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (فدش) باسم المكتب الوطني عبرعن إحساسه العميق في هذه اللحظة التي ماكانت لتشهد تنظيم هذا الملتقى الوطني لولا تظافر جهود النقابات على المستوى العالمي بفضل تضامنها مع النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل ، مؤكدا على أن تنظيم هذا الملتقى يعتبر نجاحا لقيمة تاريخية نضالت الحركة النقابية العالمية من أجلها وهي قيمة تضامن بين كل مأجوري العالم ، وأضاف بأن الغرض من هذا الملتقى هو تسليط الضوء أكثر على أوضاع المدرسة العمومية بالوسط القروي والكشف عن حقيقة أوضاع نساء ورجال التعليم وكافة الأطر الإدارية ، مشيرا على أن ما يبرر هذا الاهتمام هو الحجم الهائل من شغيلة التعليم بالوسط القروي الذي يصل إلى حوالي 60% من مجموع العاملين في هذا القطاع ، ومن جهة ثانية هو تزايد حجم الاختلالات التي تعرفها المدرسة العمومية بهذا الوسط القروي التي يؤدي ثمنها نساء ورجال التعليم العاملين به ، مذكرا بما تناقلت وسائل الإعلام من أحداث مؤلمة ومعاناة للشغيلة التعليمية وهو نزر قليل يعكس جزء من المعاناة التي يعيش تفاصيلها أغلب العاملين بالوسط القروي ، ومن جهة ثالثة هو فشل البرنامج الاستعجالي في التخفيف من هذه المعاناة ، هذا البرنامج الذي تجاهل كلية برمجة أي إجراء لتحسين ظروف عمل شغيلة التعليم في الحواضر والبوادي والذي عجز عن تفعيل الإجراء المحتشم الوحيد والمتمثل في بناء مدارس جماعاتية ، فمن بين مائة مؤسسة توقع البرنامج إنجازها خلال مدة سيرانه لم يحقق سوى خمس مؤسسات جماعاتية على مستوى التراب الوطني ، وأكد الأخ عبد العزيز إوي في معرض مداخلته على أن ما نلاحظه من تخبطات البرنامج الاستعجالي لايشكل استثناء بل هو استمرار لمشكل خطير في تعامل الوزارة والحكومات السابقة مع قضايا المنظومة التعليمية ورهان تعميم التعليم وتوسيع العرض التربوي منذ السبعينات من القرن الماضي ، ويتلخص هذا المشكل في غياب أي تصور متكامل لتعميم التمدرس في الوسط القروي الذي يأخذ في الاعتبار أوضاع وظروف الشغيلة التعليمية بهذا الوسط القروي ، إذ منذ سنة 1965 وهي السنة التي دشنت تراجع الحكومة عن مبدإ تعميم التعليم الذي أقره المخطط الخماسي الأول 60 - 1964 تعاملت الحكومات المتعاقبة مع مشكل التعليم من منظور الكلفة المالية ، ومرورا بالمخطط الخماسي 68 – 1973 الذي سكت عن تعميم التعليم واكتفى بالحديث عن ملاءمة التعليم مع الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية والرفع من مستوى الأطر التعليمية ومرورا كذلك بمناظرة إفران سنة 1972 التي حاولت فيها السلطات فرض تأجيل عملية تعميم التعليم إلى أجل غير مسمى ، و بالمخطط الخماسي 81 – 1985 وبمخطط المسار 88 – 1992 ووصولا إلى المخطط الوزاري لسنة 1995 الذي كان موجها لتوسيع العرض التربوي في الوسط القروي لتدارك العجز الذي راكمه المغرب في مجال تمدرس الأطفال البالغين سبع سنوات غاب خلال كل هذه البرامج وغاب خلال كل هذه المراحل أي وضوح فيما يخص العنصر البشري للمنظومة وهو رجل التعليم ، وأشار الأخ إوي إلى أن الوزارة قد عملت في إطار مخطط 1995 وبعده برنامج الإصلاح الذي انطلق منذ سنة 2000 على تدارك النقص الهائل في تمدرس الأطفال المغاربة بكل الوسائل كان أغلبها هو بناء أقسام تعليمية من نوع المفكك في مناطق منعزلة ونائية في الوسط القروي بدعوى تقريب المدرسة من التلاميذ ، وتميزت هذه البناءات بافتقارها لأبسط المرافق الصحية ولظروف الأمن والسلامة وعزلتها شبه التامة عن الشبكة الطرقية أو المجموعات السكنية في الوسط القروي ، وكانت النتيجة هي مقاطعة التلاميذ وآبائهم لهذه المؤسسات والأقسام لأنها بعيدة وغير ملائمة ، وترك الأساتذة لوحدهم مع معاناتهم ، وفي معالجة الحكومة لمشكل ركزت على جزء من المشكل بمحاولتها إغراء آباء وأولياء التلاميذ عبر تحفيزات مالية " برنامج تيسير " لإعادة الأطفال للمدارس وبقيت مع الأسف وضعية رجال ونساء التعليم على حالها دون أي اهتمام ، وركز عبد العزيز إوي على أن ما تعيشه المدرسة العمومية في أغلب مناطق الوسط القروي لم يعد بالإمكان اعتباره أمرا عاديا أو انتقاليا ، فالسياسات الحكومية في هذا المجال بسبب انعدام الوضوح والتسرع لاتفتح أي أفق لتحسين الوضع التعليمي بالوسط القروي ، وأكد على أنه من حق أطفال الوسط القروي أن يستفيدوا من حقهم في التمدرس وهذا أيضا واجب على الحكومة اتجاهم ومن واجب المدرسين خدمة هذا الحق ، لكن من اللازم على الحكومة والوزارة توفير شروط عمل لائقة وفق ماتنص عليه مواثيق المنظمات الدولية التي يعتبر المغرب عضوا فيها هذه المواثيق التي تركز على ضرورة توفير شروط العمل الكريم الذي يحفظ كرامة المأجور سواء في القطاع العام أو الخاص ، وعلى الحكومة باعتبارها مشغلة للقطاع العام بنفس الدرجة مع أرباب العمل أن توفر لشغيلة التعليم ظروف العمل بالوسط القروي التي تحفظ كرامة الأستاذ وحقوقه في التمتع بخدمات أساسية وتؤمن سلامته البدنية والنفسية في محيط عمله ، وذكر إوي بأن التوصية العالمية لمنظمة اليونسكو الصادرة سنة 1966 حول ظروف شغيلة التعليم تنص بدورها على حقوق مدرس الوسط القروي وعلى الوزارة أن تتفاعل مع مقتضياتها ، خصوصا وأنها تحتفل سنويا في الخامس من شهر أكتوبر باليوم العالمي للمدرس الذي يصادف تاريخ صدور هذه التوصية وأن الوضع لم يعد يسمح بتجاهل الأساتذة العاملين بالوسط القروي ، هذا التجاهل الذي تحول مع مرور الزمن إلى قاعدة تتعامل الوزارة معها كأمر معتاد وطبيعي وفي الواقع غير ذلك ، لذا فعلى الوزارة الحالية أن تسارع إلى تدارك الوضع باتخاذ الإجراءات التي يتطلبها الموقف لانقاد نساء ورجال التعليم من التدهور والمعاناة ، وألح الأخ إوي على أنه قد بات من الضروري القيام بمراجعة شاملة لسياسة الوزارة القائمة في الوسط القروي ، فتوسيع العرض التربوي بالوسط القروي يجب أن يواكبه إجراءات تخص نساء ورجال التعليم فيما يخص ظروف عملهم وتنقلاتهم من وإلى مقرات عملهم وتحفيزات لصالحهم مقابل عملهم بالوسط القروي على المستوى المادي وعبر الترقي وحقهم في التأطير والتكوين المستمر وحقهم في الانتقال إلى الوسط الحضري بعد قضاء فترة زمنية في الوسط القروي ، واختتم الأخ عبد العزيز إوي مداخلته هاته بأن النقابة الوطنية للتعليم (فدش) تأمل بأن تصدر عن هذا الملتقى الوطني توصيات ومقترحات توجه عملها النقابي في هذا المجال بما يفتح آفاقا واعدة لشغيلة الوسط القروي وتطور المنظومة التعليمية بهذا الوسط ، وأن يمكن هذا الملتقى المشاركين في جميع أشغاله من ملامسة أنجع الطرق للتواصل والتنظيم من أجل تعبئة جهود الفدشيين دفاعا عن المدرسة العمومية من كل الضربات الظاهرة والخفية التي تستهدفها مع استحضار منظمتنا التعليمية بأن منظومتنا التعليمية هي في مفترق الطرق فإما أن تنكب الوزارة في عملية نقدية صريحة على المرحلة السابقة بإشراك كل مكونات المنظومة من أجل بلورة أفق مستقبلي واضح لمنظومتنا أو ستبقى الوزارة مسرة على نهجها الانفرادي وتسير بمنظومتنا نحو وضعية الانحباس والخطورة . وهكذا فقد أسفرت أشغال هذا الملتقى الوطني بإصدار عدد من التوصيات التي نذكر منها مايلي : 1- ضرورية توفير الموارد البشرية لضمان حق التلميذ في التمدرس في الوسط القروي وتأمين الزمن المدرسي للتخفيف من حدة الاكتظاظ والأقسام المشتركة . 2- المطالبة بتكوين يناسب حاجيات المدرس وواقع المتعلم بالوسط القروي ، تكوين يساير سيرورة التجديد في العملية التعليمية التعلمية . 3- مراجعة النصوص التنظيمية لتدبير الموارد البشرية ( دليل المساطر ) . 4- ضرورة إقرار تعويض خاص عن العمل بالمناطق القروية دون تمييز . 5- ضرورة إحداث نقط الامتياز لفائدة العاملين بالوسط القروي . 6- ضرورة تحديد سقف للانتقال إلى الوسط الحضري . 7- توفير البنيات التحتية من أقسام صالحة للاستعمال وقاعات متعددة الوسائط ومكتبات وملاعب رياضية ومرافق صحية وسكنيات لائقة لضمان استقرار الأستاذ . 8- تشييد مدارس في الوسط القروي تخضع لمقاييس المؤسسة الملائمة . 9- ضرورة توفير النقل المجاني وتعميمه على كافة الأساتذة والتلاميذ . 10- ضرورة مراجعة شاملة للمناهج والبرامج وتكييفها مع واقع وخصوصيات الواقع بالوسط القروي . 11- إعادة النظر في مفهوم الجودة الذي يجيز النجاح للمتعثرين . 12- إشراك الأساتذة الممارسين في صياغة البرامج والمناهج . 13- مراجعة الحصيص الزمني المرتبط بالمجال القروي . 14- ضرورة إحداث أقسام للتعليم الأولي بالوسط القروي . 15- هيكلة تنسيقية إقليمية وجهوية ووطنية للعاملين بالوسط القروي . 16- جعل الملف المطلبي للعاملين بالوسط القروي يحظى بأهمية خاصة. 17- ضرورة إشراك القطاعات الوصية ( وزارات : الصحة – الداخلية – التجهيز – الثقافة ....) في تفعيل المدرسة العمومية بالوسط القروي . 18- ضرورة تغيير احتجاجاتنا من وزارة التربية الوطنية إلى وزارات أخرى مسؤولة عن النهوض بالمدرسة العمومية . وبناء على هذه التوصيات فإن النقابة الوطنية للتعليم العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل قد قررت إصدار نداء مراكش فور الانتهاء من جميع أشغال هذا الملتقى الوطني الأول للمدرسين والمدرسات بالوسط القروي .