من هو المغربي؟ سؤال يبدو ساذجا أو عاديا أو بلا مبرر لطرحه، لكن إذا حاول أي واحد منا أن يجيب عنه فربما يكتشف مثلي أنه ليس سؤالا بسيطا، وقد يحتاج إلى تفكير عميق، وقد لا نفلح في الإجابة عنه أو عن كل الاستفهامات التي يختزنها سؤال واحد. وظيفة الفكر النقدي أن يمسح رماد العادة المتراكم فوق الكثير من الموضوعات التي صارت بديهية في حياتنا... المغربي إنسان يعيش فوق جغرافيا تصل مساحتها إلى 710.850 كلم2. له حدود تقع بين بحرين هما الأطلسي والمتوسطي، وبين دولتين هما الجزائر وموريتانيا. هذه الرقعة الجغرافية يحكمها نظام سياسي ملكي، ينحدر من أسرة حكمت المغرب لمدة أربعة قرون بعد زوال أسر وقبائل أخرى عربية وأمازيغية. شعب هذه الدولة مكون من 33 مليون نسمة حسب آخر إحصاء، 10 % من هؤلاء يعيشون في الخارج. ثم ماذا غير الجغرافيا والنظام السياسي والسكان؟ هناك الدين في المغرب.. ديانتان عاشتا قرونا من الزمن في انسجام نسبي كان يتغير حسب درجة الاستقرار ومنسوب التسامح، الإسلام الذي دخل إلى المغرب قبل القرن ال14، واليهودية التي دخلت قبله بقرون... ماذا عن الأعراق المشكلة للوحة الديمغرافية؟ المغاربة ذوو أصول عرقية مختلفة، فيهم الأمازيغ سكان المغرب الأقدمون، وفيهم العرب الذين جاؤوا مع الفتح الإسلامي ومع حركة التجارة والهجرة، وفيهم أمازيغ تعربوا، وعرب تمزغوا، وإلى جانب هؤلاء هناك «الزنوج» ذوو الأصول الإفريقية، وهناك المورسكيون الذين نزحوا إلى المغرب بعد سقوط الأندلس قبل خمسة قرون، وهؤلاء فيهم اليهود وفيهم المسلمون. فيهم العرب المنحدرون من الشام، وفيهم الأندلسيون المولودون من زيجات مختلطة أوربية وعربية. الخارطة الديمغرافية أكثر تعقيدا من هذه، لكن لنحتفظ بها الآن على هذا الشكل... ماذا عن التاريخ، ظل الإنسان على الجغرافيا؟ المغرب بلاد عاشت حروبا كثيرة داخلية وخارجية، تعرضت لغزوات الأجنبي (الرومان، والوندال...) وإلى الاستعمار الإسباني والفرنسي في بداية القرن. جغرافيته امتدت وتقلصت حسب ضعف وقوة الدولة المركزية. لكن، بخلاف جل الدول العربية والإسلامية، لم يخضع المغرب إلى النفوذ العثماني كما حصل في الجزائر وتونس وليبيا... وفي نفس الوقت، فإن المغرب أقرب قطعة جغرافية إلى أوربا من كل الدول العربية والإفريقية... ما الذي يجمع بين المغاربة كأفراد وقبائل وأحزاب وتيارات وأعراق وديانتين؟ إنها «النزعة القومية» أو الوطنية، أو ما يسميه علال الفاسي «الإنسية المغربية» التي تجمع المغاربة في مكان واحد، يأكلون ويشربون، ويبيعون ويشترون، ويتزوجون ويفكرون، ويسافرون ويرجعون، يتصارعون ويتصالحون، يحكمون ويعارضون... هل يمارسون كل أوجه هذه الأنشطة بطريقة واحدة أمس واليوم، الجواب الأولي: لا.. لماذا؟ إذا استعرضنا بسرعة قائمة «التصورات القومية الوطنية» للمغاربة، فيمكن أن نسجل ما يلي: هناك نزعة قومية عرقية: تعي ذاتها انطلاقا من أصلها الواحد، وليس بناء على رابطة سياسية مفتوحة وعامة، يعرف المواطن ذاته فيها انطلاقا مما يجمعه بالآخر وليس مما يفرقه عن الآخر. هنا يمكن أن ندرج بعض التعبيرات الأمازيغية المتشددة التي تتحدث اليوم عن السكان الأصليين، وعن «غزو» العرب لأرض الأمازيغ. هذه التعبيرات تخلط بين الدفاع الديمقراطي عن المساواة بين الأعراق والدفاع الإثني عن طهارة العرق ضد أعراق آخرين. هناك نزعة قومية دينية: هذه النزعة تعتبر الدين هو الأهم في تحديد الهوية القومية الوطنية، ثم تتبعه الجغرافيا واللغة والنظام السياسي، فالمغربي في نظر هذه النزعة مسلم أولا، ثم عربي أو أمازيغي ثانيا، ثم مغربي ثالثا، ومشرقي رابعا، وإفريقي خامسا. هذه النزعة الدينية تقصي تعددية الأديان، وتطرح إشكال بناء كيان مدني وليس ديني. هذه النزعة ليست مسنودة بنص ديني، بل هي مرتكزة على فكر بشري له قراءة معينة للنص. لأن دولة المدينة مثلا أسست على وثيقة كانت تعتبر أن المسلمين واليهود أمة واحدة، ووقع النبي (ص) على هذه الوثيقة... النزعة القومية التعددية: وهي نزعة مفتوحة تعتبر أن أساس الانتماء في الدولة هو الرابطة السياسية، وهو ما يتعاقد حوله أغلب ممثلي الشعب من ضرورة بناء كيان مشترك فوق الانتماءات الإثنية أو الدينية أو اللغوية. هذه النزعة يمثلها المخزن حتى وإن كان غير ديمقراطي، وبعض الفئات القليلة من الطبقة الوسطى داخل الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني. كان المخزن دائما يلعب دور الحكم بين القبائل، ليس انطلاقا من ليبراليته أو تفتحه، لكن لحاجته إلى الحكم وإلى بسط السيطرة على كل الأعراق والقبائل والأديان... مع هذا التقسيم لابد من القول إن داخل كل نزعة هناك تيارات مختلفة، وهناك حركة وسط كل نزعة ربما تمد الجسور في ما بينها، لأن العالم الذي نعيش فيه وحركة العولمة والاقتصاد والإعلام يفرضان نفسيهما على الجميع. ويدعواننا جميعا إلى إعادة التفكير في: من نحن، وكيف سنعيش بسلام وبأكثر ما يمكن من الرفاه. أرأيتم.. لم يعد السؤال أعلاه بسيطا...