جاء العفو الملكي على «أمير الفيس بوك» فؤاد مرتضى ليصحح خطأ سياسيا وقضائيا وقانونيا، كاد أن يقضي على مستقبل مهندس شاب استعمل لقب «أمير» على الشبكة الافتراضية للأنترنيت. ودفعت صورة المغرب في الخارج، وتحديدا وسط أكبر حزب عالمي من مريدي الأنترنيت، ثمنا باهظا، حيث دخل قضاؤنا إلى موسوعة «غينيس» لأنه أول قضاء يعاقب ب3 سنوات سجنا على استعمال صفة «أمير» على «الفيس بوك» من قبل شخص لم يجن مالا ولا منصبا من وراء لعبة الأسماء المستعارة بين ملايين مستعملي الأنترنيت. لقد انطلقت حملة إعلامية واسعة للتضامن مع المهندس في المغرب وخارجه، وكم كانت دالة تلك الشعارات التي رفعها طلبة جامعة هارفارد، تطالب المغرب بالإفراج عن مرتضى. إن النيابة العامة التي حركت المتابعة ضد مرتضى لا تعرف شيئا عن أحوال العالم اليوم، ولا تعرف قوة النفوذ التي أصبحت لحرية الإعلام والاتصال والتواصل بين الأفراد والمجتمعات والثقافات على شاشة الأنترنيت... مازالت الكثير من العقول المتحكمة في القرار والسلطة تنتمي إلى عصور مضت، وتتوهم قدرتها على التحكم في الأفراد والجماعات وكأننا في القرون الوسطى.. إن الأنترنيت أكبر ثورة تعرفها البشرية في هذا القرن، في عالم باتت العولمة فيه نقيضا للرقابة والحجر والحدود والخصوصيات المغلقة. ثم إن الأنترنيت أكبر فضاء ديمقراطي اليوم لا يعترف فقط بالدول والشركات والمؤسسات، بل ويمنح الأفراد، كأفراد، حرية الحركة والتعبير والوجود، بغض النظر عن حكوماتهم ومؤسساتهم وقبائلهم وعشائرهم ونظام التراتبيات المتواضع عليه بين شيوخ الأمس وتقاليدهم وأعرافهم. لما سئلت جودي ويليامز، الفائزة بجائزة نوبل للسلام لسنة 1997، عن الجهود التي بذلتها في تأسيس تحالف عالمي وقع من قبل 120 دولة لمنع الألغام الأرضية –امتنعت عن توقيع ميثاق هذا التحالف أمريكا وروسيا والصين- وكيف استطاعت القيام بذلك؟ كان جواب جودي مقتضبا وبسيطا: إنه «البريد الإلكتروني». لقد استعملت جودي الأنترنيت لتناضل وتدافع عما تؤمن به كامرأة، أي كفرد وليس جماعة ولا حزبا ولا دولة ولا مؤسسة.. إنها أحد أكثر الجوانب إشراقا في مسار العولمة. إنه الاعتراف للأفراد بالقدرة على الفعل في مساحة جغرافية أكبر وبين ثقافات متعددة، ودون الحاجة إلى الوقوف عند الحدود والحواجز المادية والرمزية. كيف السبل إلى جعل السلطة في بلادنا وفي بلاد العالم الثالث تفهم حقيقة العصر الذي نعيش فيه؟ ما هي أفضل الطرق البيداغوجية لنقول للشرطي والمخبر والقاضي والوزير والرئيس والملك والأمير وزعيم الحزب... إن الرقابة قد دخلت إلى متحف التاريخ، وإن أحدا لن يراها إلا في هذا المكان. والذي لم يقتنع بهذه الحقيقة، فإنه يرشح نفسه ونظامه إلى دخول المتحف القديم وفقدان الصلة بالواقع الحي...