استغرب أحمد السنوسي «بزيز» كيف يسمح لسوزان سارندون، في مهرجان السينما بمراكش، بأن تنتقد جورج بوش، بينما لم يسمح للفكاهي المغربي بانتقاد النظام في بلاده. جاء هذا في دردشة أجراها معه محرر من صحيفة «لافانكوارديا» الإسبانية، ونشرته في وقت سابق، وتحدث فيه عن المنع الذي يطاله منذ 18 سنة، هي عمر ابنته خيرة التي أسس معها جمعية القلم للدفاع عن حقوق الإنسان في الدول المغاربية. < حاول بعض المغاربة الهجرة إلى إسبانيا على متن قارب، وفي عرض مضيق البوغاز، بدأ القارب في الغرق... وفي إحدى اللحظات تملكهم الرعب عند رؤيتهم أحد أسماك القرش يحوم حول القارب. بدأوا يبكون ويشرحون له في حالة من اليأس حجم المأساة التي يعيشونها في المغرب، وكيف حرمت عائلاتهم نفسها من كل شيء من أجل أن توفر لهم ثمن الرحلة. يصفون له الأشغال المتعبة التي عليهم القيام بها في إسبانيا من أجل الاستمرار في الحياة، وكيف سيناديهم نفس المقاولين الذين يستغلونهم مقابل حفنة من المال ب«المورو ..». انطلقوا يحكون له أيضا كيف سيطالبهم رجال الشرطة الإسبان بأوراق هويتهم في كل زاوية ومكان، فقط لمجرد أنهم يحملون «ملامح المورو»، وكيف سينهكوهم بحثا عن المخدرات. - كيف؟ < أو بحثا عن قنبلة إرهابية. - وهل حن قلب سمك القرش حينما سمع بذلك؟ < في النهاية هو نفسه سيبكي معهم، وبدأوا يحدثونه كيف أن المغرب يعاني نوعين من الهجرة السرية: هجرة الخائبين مثلهم، الذين يرسلون الأموال إلى منازلهم، وهجرة أصحاب الملايين، أصدقاء النظام الذين يجمعون هذه الأموال سريا ويقومون بتهجيرها إلى سويسرا، أو إسبانيا أو ألمانيا، أو إلى من سيعطيهم مقابلا أكثر. - وماذا قال سمك القرش؟ في النهاية سيصرخ: «لا تحكوا لي المزيد من المآسي.. !!أنا لست سمك قرشكم!!»....؟ «سمك قرشكم الحقيقي يوجد في الرباط.. حرمكم من حقوقكم، وجعل حياتكم مستحيلة، ليستحوذ بعدها على المال الذي تبعثوه من هناك...» - هذا سمك قرش له ضمير. < وأقنع سمك القرش مستقلي القارب بالعودة إلى المغرب، وبأن ينضموا إلى باقي الفقراء الآخرين في البلد من أجل أن يعملوا على تغيير الأمور، وأن يحققوا ديمقراطية حقيقية ودولة توفر عيشا كريما حتى لا يضطر أحد فيما بعد إلى أن يغامر بحياته بالهجرة على متن قارب. - إنها حكاية جميلة.. < نعم، وهي مشهورة في المغرب عندما أقدمها للمغاربة في المنفى الاقتصادي أو السياسي. لكن في المغرب لا يسمحوا لي بتقديمها، فمنذ 18 سنة وأنا ممنوع. تخيل معي، في أحد مهرجانات السينما بمراكش، سمح النظام لسوزان ساراندون بأن تنتقد بوش بينما لم يسمحوا لي بانتقاد الحكومة المغربية... ! - هذا فعلا أمر مضحك.. < أؤكد لك أن أحسن البهلوانيين يوجدون دائما في الحكومة، أنا فقط مبتدئ. - أيضحكك العالم؟ < ما يضحكني ملء فمي هي كلمة الخصوصية المغربية، هذا التقليد الذي، حسب النظام، يجعلنا «مختلفين». - مثلا.... < في السابق، كانت الديمقراطية المغربية نكتة، أما الآن فهي نكتة ديمقراطية. الانتخابات الآن هي مزورة بطريقة صحيحة، وديمقراطية، وشفافة. - ليس كما كانت في السابق؟. < بل حتى الفساد هو ديمقراطي أيضا. والمستثمرون الأجانب مبتهجون للتسهيلات المقدمة إليهم... كان هناك أحد الوزراء -وهذه حقيقة مؤلمة- اقترح إنشاء هيئة رسمية من أجل تنظيم استخلاص العمولات.. ! - منطقي في ذلك.. < ووزير آخر كان قدم عرضا ذكيا للملك - ما هو عرض الوزير؟ < أنه بإمكانه تخليص المغرب من الفساد، لكن ما الذي سيتقاضاه مقابل ذلك! - هذه الأمور موجودة في كل مكان.. < ليس بنفس الحدة. يوجد في المغرب فساد من النوع البذيء، بينما هنا في أوربا فهو ديمقراطي، ونظيف، إن أوربا... - وهل يتم تفسير هذه الأمور في التلفزة؟ < في نشرات الأخبار المغربية يتم تفسير كل شيء إلا الحقيقة، تستغرق ساعات من الزمن، تقدم يوميا كل أجندة القصر الملكي وكل البلاغات التي يرسلها ويستقبلها! - أمر مثير فعلا < إنها وسيلة للتعذيب الجماعي. هناك يسمح النظام فقط للكوميديين الذين يضحكون على الشعب، وخصوصا إذا ما ضحكوا على الشعب الأكثر فقرا وجهلا. - هنا أيضا في إسبانيا كانت النكتة الرسمية موجهة لأصحاب وضع اجتماعي سيئ... < مقابل ذلك، لا يتحملون أن تخفض سخريتنا من مستوى عظمتهم. - وفي باقي الدول المغاربية، ألا يتمتع الحكام بروح الدعابة؟ < يحزنني أن تكون لرئيس كبير كابن علي دولة صغيرة كتونس.. لقد كان من المفروض أن يمنحوه كندا أو أستراليا حتى تكون في مستوى قامته كرجل دولة!!. - لماذا تقول ذلك؟ < لأنه استطاع الفوز في انتخابات سمح فيها لحزبه فقط بالمشاركة فيها. - إنه محق في ذلك.. < إن الغرب لا يتعب في المطالبة بالديمقراطية للعالم العربي، ولكن إذا ما تصادف وأقيمت في النهاية انتخابات حرة ونزيهة كالتي جرت في فلسطين... فإنه يحتج على النتائج! . إننا نحن الديمقراطيين العرب حقا مندهشون.. - يمكن أن تزيد الأمور سوءا.. < لكن بنوع من البهجة. فالجمهوريات بدأت تتحول إلى ملكيات كما حدث في سوريا، ومصر – هناك سيكون فرعون- وفي ليبيا.. فأبناء الرؤساء سيرثونهم في الوقت الذي يصفق فيه الغرب لانتخاباتهم. في المغرب، حرياتنا الصغيرة كان قد منحها لنا الحسن الثاني عندما كان مريضا بسبب الوهن السياسي الحقيقي. يبدو أنكم تعتقدون بأننا نحن العرب لا نستحق الديمقراطية. - إنهم يقولون أنكم لستم مستعدين.. < حتى بعض المغاربة قد جعلوهم يعتقدون أننا غير قادرين على تحقيق ديمقراطية بسبب «الخصوصية» المغربية. هنا كانوا يقولون عن التاريخ الإسباني المتعب «إسبانيا مختلفة» بالنسبة للديمقراطية . نحن مختلفون جدا. المغرب حاليا هو قاعة انتظار كبيرة، ولا يعرف أي أحد منا ماذا ينتظر.