[email protected] قبل سنوات قليلة، كانت ميزانية كرة القدم المغربية لا تتجاوز الملياري سنتيم سنويا، تساهم فيها اتصالات المغرب بقسط وافر. واليوم، أصبحت هذه الميزانية تتجاوز السبعة عشر مليار سنتيم بفضل صفقات الإشهار والنقل التلفزي، وبصفة خاصة الشراكة مع قناة آرتي. اقتصاد الكرة، لأنه فعلا اقتصاد قائم بذاته، يتطلب تدبيرا عقلانيا لتكون النتائج في الموعد. ولن نركز على مسألة تدبير الأموال العمومية لكي لا يأتي البعض ليقول لنا إن الكرة لا تمول بالمال العام ولكن بعائدات الإشهار. طيب، لنعترف بأن الكرة صارت صناعة يديرها اختصاصيون يمزجون بين التدبير الرياضي والتدبير المالي ويقف وراءها أشخاص مؤتمنون على قطاع يعتبر من أهم القطاعات في البلد، ومجرد كيفية تركيز المغاربة على منتخبهم مؤخرا تعطي صورة واضحة عن ذلك، وبالتالي لا مكان في هذا العالم، الذي صارت فيه الفرجة صناعة أولا ثم تنفيسا عن الشعوب (المضطهدة) ثانيا، للهواية لا في الممارسة ولا في التدبير. أولئك الذين يستغربون الطريقة التي خرج بها المنتخب المغربي من المنافسة ليست لديهم ربما فكرة عن طريقة تدبير المنتخبات أو لا يعرفون مقولة «من الخيمة خرج مايل». ولن نتطرق لفريق الكرة والنهج التكتيكي للمدرب لأن الزملاء في القسم الرياضي تكفلوا بذلك، وإنما سنتحدث قليلا عن هذا الفريق «الإداري» الذي يسير اقتصاد الكرة بالمغرب. أولا، رئيس جامعة دائم الغياب ولا يعرف ما يجري في ما هو مفروض فيه أن يكون عالما به، بحكم مسؤوليته، رئيس جامعة يسير الكرة بالوكالة وفوض ذلك لجنرالات الجيش، وهي حالة شاذة في العالم والمغاربة يعرفون جيدا لماذا يسكت الرئيس بلاتير عن ذلك. هذه العسكرة لا يمكن إلا أن تؤدي إلى النتائج الحالية لأنها لا تعرف سوى التسيير بالتعليمات، ولنتذكر أن عدة فرق اضطرت إلى «تفويت» أجود لاعبيها إلى فريق الجيش، وذلك على مضض لعدم رغبتهم في إغضاب جنرالات الكرة! الرئيس وضع بجانبه رجالات يقال عنهم إنهم يتقنون «الماركوتينغ» الكروي، من طينة أوزال والصويري، الأول رئيس المكتب المديري للرجاء، وهو مكتب مشلول لا يستطيع حتى أن يوفر ثمن أقمصة بعض الفروع، والثاني رجل أعمال بدون فريق ولا ندري ماذا يمثل في جهاز الجامعة. أما معرفتهم بتدبير الشؤون المالية للجامعة فقد اتضحت محدوديتها، وتجلى ذلك حتى داخل الأندية التي كانوا يسيرونها. والواقع أن المرء يحتار لمشاهدة نفس الوجوه مع كل إخفاق ونفس التبريرات مع أن المغرب يتوفر على مسيرين شباب على قدر كبير من الدراية بالمجال الكروي وعلى معرفة جيدة بشؤون اقتصاد وأعمال الكرة، تلك الكفاءات قادرة على جلب أضعاف ما يتبجح مسيرو القرن الماضي بتدبيره اليوم. للذين يتساءلون عن الشباب الذي نتحدث عنه، ما عليهم إلا أن ينظروا إلى تركيبة بعض المكاتب المسيرة للأندية المغربية، وأن يعودوا بذاكرتهم قليلا إلى الوراء ويتذكروا بعض الوجوه التي كانت تشتغل في ملف ترشيح كأس العالم 2010، وهو الترشيح الذي أخفق لأن الوفد المغربي ضم في صفوفه جنرالا يرأس الكرة، وهو اليوم ممنوع من السفر فيما كان في الفريق الخصم... الرمز نيلسون مانديلا! وللذين يتساءلون عمن بإمكانه أن يقود سفينة المنتخب، فإن أصغر طفل في المغرب سيقول لك إنه... بادو الزاكي، هذا الرجل الذي حطمته مؤامرات محيط الجنرال، استطاع، مع كل ذلك، أن ينجح في ما أخفق فيه كل هؤلاء.. لقد استطاع أن يظل رمزا في ذاكرة المغاربة ومحبوب، عشاق الكرة بالمغرب، بل حتى في الكثير من الدول العربية. فيا رجال القرن الماضي.. «حِلُّوا عنَّا»، كما يقول الإخوان المصريون.