هناك نقطة مهمة مر عليها النواب مرور الكرام في قانون المالية لسنة 2010، وتتعلق بزيادة في تعويضات مدراء وزارة المالية تصل إلى 23 في المائة بحسب السلاليم الإدارية للمدراء. وهكذا، ففي الوقت الذي يعِد فيه الرئيس الفرنسي ساركوزي مواطنيه بتضمين قانون المالية الفرنسي الجديد قوانينَ تفرض الضريبة على «بريمات» البنكيين، نجد أنهم عندنا في المغرب يفكرون بالمقلوب ويقررون الزيادة في تعويضات مدراء وزارة المالية. وقليلون اليوم يعرفون أن هناك عشرات المدراء في وزارة المالية الذين وصلوا إلى سن التقاعد، لكن الوزارة تحتفظ بهم تحت ذريعة استحالة تعويضهم. هؤلاء المدراء يتقاضى أقلهم «بريم» شهريا قدره 60 ألف درهم، يعني 72 مليون سنتيم كل سنة. وإذا أضفنا رواتب هؤلاء المدراء إلى «البريمات» التي يتقاضونها كل شهر، فإننا نحصل على راتب سمين قدره تسعة ملايين سنتيم في الشهر، مع أن العمل الحقيقي لا يقوم به هؤلاء المدراء وإنما أطر ومسؤولون، من درجات مهنية أقل، يتقاضون «بريمات» لا تتعدى عشرة آلاف درهم. تخيلوا أن «بريمات» هؤلاء المدراء ستعرف السنة المقبلة زيادة تصل إلى 23 في المائة. هذا فقط بالنسبة إلى المدراء العاديين. «كايحسب غير اللي ما عندوش»، سيقول بعضكم. لكن تعالوا «نحسب» كم يتقاضى المدراء الكبار في وزارة المالية والإدارات التي تخضع لسيادتها. أكبر «بريم» سنوي تصرفه وزارة المالية يكون من نصيب وزير المالية نفسه، «الساقي يسقي راسو»، ويصل إلى 200 مليون سنتيم في السنة. فوزير المالية لا يشغل منصب وزير فقط، بل يترأس المجالس الإدارية لعدة مؤسسات عمومية تابعة لوزارته. ثم هناك الكاتب العام للوزارة، والمدير العام أو المدير المركزي، والذي يصل «جطه» من التعويضات السنوية إلى 64 مليون سنتيم. ثم هناك المدير الذي يتقاضى 42 مليون سنتيم، والمدير المساعد الذي يتقاضى 21 مليون سنتيم، ورئيس وحدة الذي يتقاضى ثمانية ملايين ونصفا، ورئيس مصلحة الذي يتقاضى ستة ملايين ونصفا. الناس، عندما يتم الحديث عن وزارة المالية وتعويضات مديريها، يحفظون فقط اسم وزير المالية، وتغيب عن أذهانهم أسماء العشرات من المدراء والمدراء المساعدين الذين يتقاضون «بريمات صحاح»، لكن لا أحد يتحدث عنهم لأنهم يجلسون دائما خلف الأضواء. وعلى رأس أكبر مستفيد من «البريمات»، التي تصرفها وزارة المالية، نجد الكاتب العام للوزارة عبد اللطيف لوديي، ومدير الميزانية عبد اللطيف بناني، الذي يشغل أيضا منصب مفتش عام بوزارة المالية (على قلة الأطر)، والمدير العام للضرائب نور الدين بنسودة الذي «يقرجط» هذه الأيام «الملايرية» الهاربين من الضريبة ويجبرهم على الدفع، والمدير العام للجمارك والضرائب غير المباشرة عبد اللطيف زغنون، والخازن العام للمملكة سعيد إبراهيمي، ومدير الخزينة والمالية الخارجية زهير الشرفي، ومدير الشركات العامة والخوصصة عبد العزيز الطالبي، ومدير التأمينات التهامي الباركي، ومدير الشؤون الإدارية والعامة عمر فرج، ومدير الدراسات والتوقعات المالية محمد شفيقي، ومدير أراضي الدولة عبد الرحمان الشاوي. وإلى جانب مدراء وزارة المالية الذين يتقاضون «بريمات» سنوية سمينة، هناك مدراء المؤسسات العمومية التابعة لسلطة وزارة المالية، كوالي بنك المغرب «الضحوك» عبد اللطيف الجواهري الذي يتقاضى راتبا شهريا (بدون احتساب التعويضات) يصل إلى 25 مليون سنتيم (وعلاش ما يضحكش، معاه جا الضحك)، والمدير العام لصندوق الإيداع والتدبير أنس العلمي، الذي يتقاضى 15 مليونا في الشهر، ومدير البنك العقاري والسياحي الذي يتقاضى 15 مليونا شهريا، ودركي البورصة الذي يتقاضى ثمانية ملايين كل شهر، والمدير العام للقرض الفلاحي الذي يتقاضى سبعة ملايين في الشهر. أضف إلى هذه الرواتب السمينة «بريمات» شهرية وسنوية وستحصل في النهاية على «زبالة ديال الفلوس» تخرج من الخزينة لتستقر في الحسابات البنكية لهؤلاء المدراء المحظوظين. والغريب في الأمر أنه لا عباس الفاسي ولا «نسيبو» السي نزار بركة، وزير الشؤون العامة للحكومة، استطاعا أن يحدا من نفوذ هؤلاء المدراء الماليين أو أن ينقصا من تعويضاتهم السخية التي لا تراعي الحالة العامة الصعبة التي تمر منها مالية البلاد، كما لو أن الأزمة «غير علينا حنا». والسبب واضح «للعيان».. فوزارة المالية كانت دائما، ومنذ حصول المغرب على استقلاله، ضيعة محروسة «للمغرب الفاسي». و«الشلح» الوحيد، الذي تسلل إلى كرسي وزارة المالية في حكومة الفاسي محمد كريم العمراني، وكان اسمه محمد سابوه، لم يعمر في منصبه أكثر من ثلاثة أشهر «بالحساب». فقد اكتشف كريم العمراني أن هذا «العضو» الذي زرعه الحسن الثاني في الجسد المالي للحكومة لضمان التنوع العرقي لن يستطيع التعايش مع بقية الأعضاء، فلفظه «الجسم» الحكومي بسرعة. وطيلة تسع وعشرين حكومة تعاقبت على المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم، هناك ستة وزراء مالية فقط لم يكونوا من أصل فاسي. ومنذ حكومة مبارك البكاي (1956/1955) التي تحمل فيها الفاسي عبد القادر بنجلون حقيبة المالية، وحكومة محمد الخامس (1961/1960) التي تحمل فيها الفاسي محمد الدويري، أب عادل الدويري، حقيبة المالية، إلى حكومة عباس الفاسي التي يتحمل فيها الفاسي صلاح الدين مزوار حقيبة المالية، لم تخطئ وزارة المالية وزراء منحدرين من فاس إلا ست مرات، يعني أنه منذ 53 سنة وكرسي وزارة المالية يدور بالتناوب على نفس العائلات المنحدرة من مدينة مغربية واحدة. والأمر لا يقتصر فقط على وزارة المالية وتوابعها، وإنما يشمل أيضا المجالس الإدارية للبنوك. وأنا أتحدى أي واحد يستطيع أن يعطيني مجلسا إداريا واحدا لبنك مغربي واحد يوجد ضمن أعضائه عضو غير فاسي. لا تتعبوا أنفسكم بالبحث عن هذا العضو «الدخيل»، لأنكم ببساطة لن تعثروا له على أثر. هذا لا يعني أن كل الفاسيين يوجدون في مناصب المسؤولية بوزارة المالية والإدارات التابعة لها والمجالس الإدارية للبنوك، وكلهم يتقاضون تعويضات سمينة. فهناك اليوم في «قاع» فاس فقر مدقع وعائلات فاسية عريقة تقاوم يوميا لكي تعيش بعرق جبينها وتحافظ على بقاء قطاعات بأكملها من الصناعات التقليدية والحرفية الآيلة للانقراض. لكن ما أشرنا إليه يطرح علامة استفهام كبيرة حول الأسباب الحقيقية الكامنة وراء «استحواذ» الفاسيين على مناصب المسؤولية في وزارة المالية منذ الاستقلال إلى اليوم. ومن يقول مناصب المسؤولية في وزارة المالية يقول «البريمات» والتعويضات والرواتب المجزية. هناك اليوم أطر شابة تعد بالمئات تشيخ قبل الأوان في وزارة المالية وفي المؤسسات العمومية التابعة لوزارة المالية والتي ذكرنا بعضا منها أعلاه، يتعلق الأمر بأطر متعلمة ومكونة أحسن تكوين وحاصلة على شواهد عليا، ذنبها الوحيد أنها تنحدر من عائلات ليست لها أسماء رنانة من تلك الأسماء التي تبدأ بالباء (برادة، بنيس، بناني،...)، ولذلك فالمصعد الذي يحمل الأطر إلى مناصب المسؤولية في هذه الإدارات لا يتوقف أمام أمثالهم، ببساطة لأنهم لا ينتمون إلى المحظوظين الذين قلنا بالأمس إنهم لديهم «جداتهم فالعرس». هؤلاء يصابون بإحباط كبير وهم يرون مدراء عجزة، وصلوا سن التقاعد منذ سنوات تحتفظ بهم الوزارة ومؤسساتها العمومية، لاصقين بكراسي المسؤولية، ليس حبا في المسؤولية، وإنما حبا في تعويضاتها السخية. والكارثة أن العمل الأساسي الذي يتقاضى عنه هؤلاء المدراء تعويضاتهم تنجزه تلك الأطر الشابة التي شاخت قبل الأوان والتي لا تتقاضى سوى الفتات. إن ثروة المغرب الحقيقية هي أطره وأدمغته وشبابه. ولكي يشعر هؤلاء بأنهم فعلا في بلادهم ويصموا آذانهم عن نداء الحوريات الجذاب الذي تطلقه نحوهم كندا وأمريكا، على الحكومة أن تفهم أن مصلحة المغرب توجد في التنوع، يعني بالعربية تاعرابت «خلطو شوية بنادم. ماشي غير ولادكم اللي قراو».