بوليف لم يعجبه أداء المنتخب المغربي، آلمه أن يتفرج على منتخب وصفه بفريق من الدرجة الثالثة، واعتبر المدرب على خط الشرط بمثابة متفرج في المدرجات، واللاعبين أشبه بالسياح، بل وصل به الأمر حد المطالبة برحيل الزاكي. ليس بوليف وحده من لبس جبة الرياضي وطالب برحيل الزاكي، فقد وصلتني رسالة من صديق يتنفس أوكسجين الرياضة، قال لي فيها بالحرف: «ماعندناش أصاحبي.. والمدرب غادي بنا للحيط». استغربت تسرع صديقي الرياضي، وهو الذي كان في كل مرة يبحث للمدربين عن فترة زمنية أطول لتحقيق نتائج أفضل؛ ومعه طالب الكثير برحيل الزاكي قبل الأوان لأنه انهزم في مباراة ودية لا تهمنا نتيجتها في شيء؛ بل هناك من جاء يفتعل أزمة بين بنعطية والزاكي، وأراد قطع حبل الود بين المدرب ومساعده حجي.. فمن يحلو له التشويش على المنتخب المغربي؟ الزاكي، الاسم الذي سكن لمدة الإدارة التقنية للمنتخب الوطني، لم يسلم قبل ذلك من الشنق، لم يسلم من نقد لاذع حتى وهو يصل بالمنتخب المغربي يوما إلى نهاية أكثر من رائعة في منافسات كأس إفريقيا بتونس، لم يسلم من اللدغ حتى وهو يقصى ب«شمتة» من مونديال ألمانيا، ففضل الانسحاب في صمت، وفي الحلق غصة. فاخر، هو الآخر سكن دائرة سوط لا يرحم؛ روجي لومير، تعرض للجلد دائما؛ وغيريتس والطاوسي شربا من نفس الكأس قطرة قطرة.. لا أعرف، هل اعتدنا نحن دائما على الجلد.. وأصبحنا نتقن فن الجلد بالسوط أم إن الأمر هو رغبة ملفوفة بعشق جنوني للمنتخب تسكننا، وتحول أقلامنا إلى سوط نقد لا يرحم؟ لأننا حين ننتقد الزاكي أو غير الزاكي، لم نحاول مرة أن نكون كمن يجلد بسوط حقيقي. لكن هناك من تعود أن يجلد مثل أي سادي.. لا يناقش الزاكي حول أخطائه، لا يناقشه حول توجه تقني وتكتيكي لم يقنعه.. يشتم أحيانا، ينادي ببديل على غير العادة، يتحول إلى مدرب من المدرجات وينسى أن خطته هذه لا تخلو من سذاجة تكتيكية… فقد انتقد الجميع غيريتس وطالبوا برأسه. وقد كنت واحدا ممن تطوعوا يوما بعد غضب الهزيمة ليحملوا عنه حقائبه إلى المطار.. حين أخطأ وهو ينهزم أمام منتخبات لا تشغل مساحة خرم إبرة في جغرافيا الرياضة العالمية.. وظلت أجرته سرا من أسرار الدولة. وهناك من تمنى الطاوسي بديلا، وحين أخفق في الكان لم يرحمه من الجلد؛ وتمنى الزاكي أيضا بديلا يسكب سطل ماء سحري يمحو به الأخطاء، هو نفسه من ينهش هذا البديل. لا أقول هذا دفاعا عن الزاكي لأنه لم يتوصل بعد سنة ونصف إلى تركيبة نهائية للأسود؛ ولكن هل لا بد أن ننتقد بعصبية أحيانا كي نظهر غضبنا؟ إن ما وقع مع لومير وغيريتس وفاخر والطاوسي والزاكي يجب ألا يتكرر دائما برداء شوفيني مهزوز، ونحن نحمل حلمنا فوق كف عفريت ونرحل غدا لمواجهة ليبيا وساوتومي والرأس الأخضر.. حيث النصر والتعادل والهزيمة.. مرحبا، طبعا، بأي نقاش هادف يلد نتيجة مسكونة بالفرح، وأبدا لا نريد نقاشات بيزنطية عقيمة.. نقاشات تحول أي مدرب إن أخفق إلى نص في جدول النميمة.. نقاشات بحجم جبل يتمخض فيلد فأرا.. الفأر، الذي يقرض حبل ديمقراطية الحوار، يميع الحوار الذي يصبح سبا رخيصا وشتما محملا بشتى أنواع الانحطاط، أخاف أن أقول لاأخلاقيا.. وأعرف أن هناك من يناقش الزاكي، وغير الزاكي بكل نضج، وتكون الشفافية في التعامل إشارة واضحة إلى علاقة حميمية بين المتفرج والناقد والفاعل واللاعب والمدرب.. ونساهم جميعا بحوار جماعي هادف في البحث عن النتيجة.. ولا نريد أن نضع هنا خطوطا حمراء في التعامل مع الإطار الوطني.. (نخليوه يدير خدمتو، ونتحاسبو من بعد).. فهناك منتخبات كبيرة احتفظت بمدربيها حتى وهي تخرج صاغرة من أكبر التظاهرات العالمية، وكلنا يعلم عدد السنوات التي قضاها «أليكس فيرغيسون» داخل فريق المان بونايتد… دون أن ننسى مرة بعد أخرى واجب التذكير بجسامة المسؤولية.. «يجب أن نضع دائما وأبدا قنفذا تحت كل جمجمة لكي لا يتوقف الوخز».