تجنب منشآت إيران يخفض سعر النفط    أمطار رعدية مرتقبة اليوم الإثنين بعدد من مناطق المملكة    حظوظ وزير الصحة والحماية الاجتماعية لبلوغ الغايات والأهداف المنشودة    الملك محمد السادس والرئيس إيمانويل ماكرون.. لقاء قمة تحت شعار التجديد    Gitex Global: هواوي تطلق سلسلة من حلول التحول الرقمي والذكي للصناعة    لبنان ينعى 21 قتيلا بغارات إسرائيل    المغرب في المركز 90 عالميا في تقرير الحرية الاقتصادية.. والحكومة تحتفظ بدور كبير في الاقتصاد    مقاييس التساقطات المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    النيابة العامة بالجديدة تأمر باعتقال إلياس المالكي بعد اتهامات من له طرف فعاليات أمازيغية بالتمييز والكراهية    مختل عقليا يسرق سيارة ويتسبب في حادثة سير مميتة بوسط الجديدة    النصيري يرد بقوة على منتقديه … ويحلق بفريقه عاليا    اتحاد طنجة يتلقى خسارته الثانية هذا الموسم أمام السوالم بهدفين لهدف    العداء المغربي حمزة السهلي يتوج بلقب النسخة ال 15 من الماراطون الدولي للدارالبيضاء    ترامب وهاريس ينظمان تجمعات إنتخابية في نيويورك وفيلادلفيا    الرئيس ماكرون في زيارة دولة إلى المغرب لتعزيز العلاقات الثنائية    نشرة إنذارية.. تساقطات مطرية قوية وأخرى ثلجية وطقس بارد مرتقب من الاثنين إلى الأربعاء بعدد من مناطق المملكة    حادث مأساوي على الطريق بين الحسيمة وأجدير ينهي حياة رجل ستيني    مركب صيد بالجر يصطاد جثة آدمية بساحل الحسيمة    كلب مسعور يودي بحياة عشريني بأكادير    عضة بسيطة من كلب أليف "كانيش" تتسبب في وفاة شاب    قنصلية أمريكية في الداخلة.. واشنطن تبدأ التفعيل بخطوة استراتيجية لتعزيز السيادة المغربية    أسبوع إيجابي في بورصة البيضاء    تساقطات مطرية تبشر بإنطلاقة جيدة للموسم الفلاحي بمنطقة الريف    الصحة العالمية تحذر: أعراض ارتجاج المخ قد تتأخر في الظهور    الأسطوانة الذهبية «ليلي طويل» تعود للساحة الفنية بصوت نصر مكري    جمعية عبد المولى الزياتي لإبداعات بلادي تنظم ملتقاها الثقافي التاسع    في البيان العام للمؤتمر 12 للنقابة الوطنية للتعليم العالي    أخبار الساحة    المحامون يقررون المقاطعة الشاملة لجميع الجلسات إلى غاية تحقيق المطالب ابتداء من يوم الجمعة المقبل    الدمار الهائل في غزة "يصدم" غوتيريش    نتانياهو: الهجوم على إيران حقق أهدافه    لامين يامال يتعرض لإساءات عنصرية        تساقطات مطرية بالناظور تبشر بنهاية الجفاف    تقرير رسمي يتوقع جاهزية مشروع ميناء الناظور غرب المتوسط خلال السنتين القادمتين    المومني: مهرجان المسرح الدولي الجامعي منصة مبتكرة للشباب لعرض مواهبهم        افتتاح المعلمة التاريخية "لاكازابلونكيز" بحلة جديدة وبمواصفات عالمية في الدار البيضاء    الشاعر البحريني قاسم حدّاد يفوز بجائزة الأركانة العالميّة للشعر    نقابة "البيجيدي" تحتج أمام البرلمان ضد غلاء الأسعار    المنتخب السعودي يضطر إلى معاودة التعاقد مع هيرفي رونار    نحو آفاق جديدة لدعم القضية الوطنية.. انطلاق الجولة الدولية للمسيرة الخضراء بالدراجات النارية في دول الخليج    فيلم "عصابات" يتوج بالجائزة الكبرى للدورة ال 24 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة    البواري يطلق عملية الزرع المباشر من إقليم الحاجب    افتتاح معهد البحرين للموسيقى في أصيلة    اختتام فعاليات مهرجان ليكسا للمسرح في دورته الخامسة عشرة بمدينة العرائش    5 قتلى وعشرات الجرحى في عملية دهس شمال تل أبيب    ارتفاع حصيلة الضربات الإسرائيلية على إيران وإدانة واسعة للهجوم..    هذا هو الثمن الغالي الذي ستدفعه إسرائيل وأميركا    وفاة طالب طب بسبب "ضغط المقاطعة" تعيد المطالب بحل عاجل.. وترقب لمخرجات أول لقاء مع الوزير الجديد    موثقو إفريقيا يشيدون بنظرائهم المغاربة    آلاف الأشخاص يتظاهرون في لشبونة احتجاجا على عنف الشرطة    ارتفاع عدد حالات التسمم الغذائي في "ماكدونالدز" بالولايات المتحدة الأميركية    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسطورة السلطان لكحل
نشر في المساء يوم 08 - 07 - 2015

الأسطورة جنس إبداع أدبي شفهي مجهول المؤلف، أبدعها خيال الشعب وظلت تتناقل وتتطور على شفاه الناس ومخيلتهم عبر القرون. ولقد ارتبطت الأسطورة دائماً ببداية الإنسانية وبطفولة العقل البشري حيث مثلت لدى كل الشعوب سعياً فكرياً بدائيا لتفسير ظواهر الطبيعة الغامضة. ولذلك اختلفت أساطير البشرية وتباين مستواها ومحتواها. فكانت أكثر تطورا لدى الشعوب المتحضرة مثل الإغريق، بينما نجدها أقل تطورا لدى الشعوب العربية والاسلامية لأسباب عدة، أهمها النظرة السلبية للدين إليها. ويشرح لنا ذلك ربما لماذا هي الأسطورة المغربية قصيرة النَّفَس وبسيطة الحبكة.
من خلال هذه الاستراحة الصيفية، تقترح عليك «المساء» عزيزي القارئ باقة منتقاة من أجمل أساطير المغاربة الأولين. اخترقت الزمن لتصل إلينا بفطريتها البديعة، عساها تعكس لمن يتأملها جوانب من عقلية الأجداد ونظرتهم إلى الذات وإلى العالم من حولهم..
تُصَوِّر الميثولوجيا المغربية السلطان الكحل (أو الكُحْلي) كحاكِم أسود مستبد ولا يرحم. لكن تغيب بقية التفاصيل حول هذه الشخصية، حيث نجد السلطان الكحل [الكحل بمعنى الأسْود] مرتبطا في الفولكلور المغاربي بالكثير من الخرائب والمآثر التاريخية، في الوقت الذي لا نجد إشارات نادرة وغامضة حوله في حوليات التاريخ المغربي.
ففي المغرب الأقصى كما في غرب الجزائر، ثمة الكثير من القصور والحصون والقلاع القديمة وحتى «الخلوات» و»المقامات»، التي تحمل اسم السلطان الكحل. وتحيل عليه، من خلال حكايات أسطورية محلية، إما باعتباره سلطانا تارة أو ولِيّا صالحا تارة أخرى، أو حتى سلطانا على الجان.
وقد ارتبط ذكر السلطان الكحل في الفولكلور الديني على الخصوص بالمواجهات المفترضة أو اللقاءات «التاريخية» التي كانت له مع عدد من الأولياء الصالحين، رغم انتمائهم إلى فترات تاريخية متباعدة جدّا بحيث يقاس الفرق بينها بقرون تجعل إمكانية أن يعاصروا جميعا سلطانا واحدا أمرا مستحيلا. وهكذا صادفنا كمّا وفيرا من الأساطير التي تسرد صراعات بين أولياء مظلومين والسلطان الكحل الظالم، وتنتهي دائما بانتصار السلطة الأزلية ممثلة في ولي صالح مظلوم على السلطة الزمنية التي يمثلها السلطان الكحل.
لكن نادرا ما أثار هذا الحضور الأسطوري اللافت للسلطان الكحل اهتمام المؤرخين، وحرّك بينهم نقاشا لايزال موضوع تأويل ولم يحسم بعد. فالناصري يرى بأن السلطان الكحل ليس سوى السلطان أبي الحسن المريني الذي حكم المغرب بين 1331 و1351م، إذ يقول عنه: «هذا السلطان هو أفخم ملوك بني مرين دولة وأضخمهم ملكا وأبعدهم صيتا وأعظمهم أبهة وأكثرهم آثارا بالمغرب والأندلس. ويعرف عند العامة بالسلطان الأكحل لأن أمه كانت حبشية [كانت تسمى العنبر]. فكان أسمر اللون والعامة تسمي الأسمر والأسود أكحل، وإنما الأكحل في لسان العرب أكحل العينين فقط».
أما في قلعة شالة بالرباط، والتي تحوَّلت إلى مقبرة للسلاطين المرينيين في القرن الميلادي الرابع عشر، فكانت الغرفة الجنائزية التي دُفن فيها السلطان أبو الحسن تحمل اسم «خلوة السلطان لكحل»، لدى أهالي عُدْوَتَيْ الرباط وسلا. . لكن في الوقت ذاته كان الناس يزورون تلك «الخلوة» على أساس أنها «مقام» الولي مولاي يعقوب، سلطان الجنون.
بينما اعتقد مغاربة آخرون بأن السلطان الكحل الغامض والمخيف ليس سوى محمد المتوكل الملقب بالمسلوخ، أحد الملوك الثلاثة الذين قُتِلوا في معركة وادي المخازن. وأصل اللقب أنه عقب مصرعه في تلك المعركة عام 1578 حُمل جثمانه إلى مراكش. وتنكيلاً به تم سلخ جلده وحشوه بالتبن، ثم طافت به الجموع الغاضبة في المدينة تشهيرا بخيانته؛ لأنه أدخل جيوشا كافرة [البرتغاليين] إلى أرض المغرب المسلمة.
وما يزيد الموقف التباسا أننا لاحظنا، خلال دراستنا للميثولوجيا الصوفية [الأساطير العيساوية، خصوصا]، حصول تداخل بين شخصية السلطان الكحل والسلطان المولى إسماعيل [العلوي]. فنجد الأسطورة نفسها تتحدث في رواية عن صراع الولي سيدي امحمد بن عيسى [شيخ الطريقة العيساوية] مع السلطان لكحل، ثم في رواية أخرى نجد الوقائع الأسطورية نفسها تقريباً، والذي يتغير هو اسم السلطان. إذ يأخذ المولى إسماعيل مكان السلطان الكحل.
ومن مشاهير الأولياء الصالحين الآخرين الذين تداولت الأساطير صراعاتهم مع السلطان الكحل ، نذكر: سيدي أحمد العروسي [دفين السمارة]، سيدي عبد الله بن حسُّون[سلا]، ومولاي بوشتى الخمار[تاونات]، وسيدي رحال[قلعة السراغنة]، وسيدي امحمد بن عيسى[مكناس]، وسيدي علي بن حمدوش[زرهون].
من خلال استعراض الخليط المفتقِد للوضوح التاريخي من المعلومات حول السلطان لكحل، نفهم لماذا هو صعب حسم النقاش الدائر حول حقيقة هذه الشخصية المتأرجحة بين التاريخ والأسطورة. وما دام مجال حضورها الأرجح هو الميثولوجيا لا التاريخ، فيمكن الأخذ بالبعد الرمزي الممكن لشخصية السلطان الكحل، دون البعد التاريخي المشكوك فيه. إذ نستطيع أن نرى من خلالها تجسيدا لسلطة مطلقة زمنية [محدودة في زمانها] تدخل في مواجهة السلطة السرمدية الأبدية للولي. فقد يكون السلطان لكحل بذلك مجرد رمز ابتدعه المتخيل الجماعي المغربي في لحظات تاريخية صعبة، وأسبغ عليه من الصفات والنعوت أقدحها وأشنعها، فصَوَّره في صورة حاكم جبّار أسود اللون. ونحن نعلم يقينا بأن سواد اللون، كقيمة اجتماعية لا كقيمة صوفية، هو مرادف للقبح [الأسْود بالضرورة ذميم] وللتدني الاجتماعي [الأسْود بالضرورة عَبْدٌ].


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.