سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سائق سيارة أجرة التجأ إلى مشعوذ لعلاجه من «الفشل» الجنسي فأصيب بتسمم إثر تناوله لست بيضات مسلوقة رجل أمن ضاع منه سلاحه الناري فوجده في دولاب ابنه بتوجيه من «الشواف»
في زيارة تنكرية ل «المساء لشقة خاصة بأحد الدجالين بتطوان، فاجأنا «سكرتيره» الخاص بأن أجندة «الشريف» مكثفة، وبالتالي علينا أخذ موعد مسبق قد يدوم لفترة تتجاوز أسبوعا كاملا من الانتظار. المشعوذ، حسب قول مرتاديه من النساء والفتيات الواقفات في طابور طويل، يعالج كل الأمراض، ويفك السحر والثقاف، ويجلب الحظ والرزق. كما أنه يذهب خارج المغرب لتخطيط طلاسيمه السحرية واستعانته بقوى الجن من أجل وضع حد لعدد من المشاكل التي تعترض سبيل عمل أفراد الجالية المغربية بأوربا وأمريكا. أغلب الزبائن هم من الوسط الفقير الغارق في الإيمان بالسحر والشعوذة وقدرتهما على تقديم العلاج القوي لكل المشاكل والأمراض التي يعانون منها. «كل ليلة أستيقظ مفزعة ومرتعشة بسبب كوابيس وأحلام تؤرقني، حيث لا يفارق سريري الذي أقتسمه مع زوجي شخص يتحرش بي، إنه الجان الذي يريد التزوج بي» تقول منى، وهي سيدة من تطوان تبلغ من العمر 35 سنة. وأضافت أن الجان مغرم بها منذ فترة شبابها لكنه ذهب حينها إلى حال سبيله إلى أن فوجئت مؤخرا بعودته للتحرش بها. «في بعض الأحيان أستيقظ وعلى جسدي آثار تشبه الكدمات في لونها الأزرق تتوزع على أعضائي الخاصة. أنا واثقة من أنها تعود للجان»، تزعم السيدة. من أجل إعادة خليلها من إسبانيا غير بعيد عن منزل الشريف نذهب للاطلاع على مشعوذ آخر يمارس شعوذته وسحره يوم السوق الأسبوعي بقرية «خميس أنجرة». جلست فتاة قروية في الثلاثينات من عمرها وهي تداعب بأصابعها منديلا أحمر يلف أغراضا مجهولة، ربما تشمل «آثار» خليلها الذي هاجر إلى إسبانيا من أجل إنجاز «سحر» له وإعادته إلى القرية، بعد أن رفض الوفاء بوعده بالزواج بها وتماطله في تنفيذ الالتزام الذي كان قد قطعه على نفسه منذ أعوام بعد أن افتض بكارتها. «تكرفس عليا ومشا، ولكن والله ما نخطيه»، ليست هذه أول زيارة للفتاة إلى محل «الفقيه» بل إنها تعتبر من زبنائه الأسبوعيين المخلصين، ففي كل زيارة تمنح الفقيه «فتوح» يتجاوز مائة درهم، إضافة إلى جلبها ديكا أسود اللون وبعض الشموع ومنجلا كبيرا»، لوضع الثقاف لخليلها. لكن رغم مرور أكثر من ثلاثة أشهر من ارتيادها محل «الفقيه» فلا نتيجة إيجابية تظهر لها في الأفق. «علمت مؤخرا أنه عقد قرانه على بنت عمه، وهي بصدد الالتحاق به إلى الديار الإسبانية»، تقول الفتاة. يعتبر السحر والشعوذة في المغرب من أشكال الثقافة المرئية، وجزء من الثقافة الشعبية التي تتميز بالسرية، كما أن تعدد المفاهيم المرتبطة بالشعوذة والسحر يجعل مجال الانتماءات متعددة، خصوصا أن اللجوء إلى الشعوذة يؤكد وجود أزمة ثقافية واجتماعية وأسرية كبيرة. «اللجوء إلى «الفقيه» لجلب العريس أو لتحقيق الترقية في العمل أو للعلاج من بعض الأمراض العضوية أو النفسية مرتبط بانعدام الوعي وبترسب الفكر الخرافي في المجتمع، الذي لا يزال يؤمن بالظاهرة، حيث ينتهي الأمر بالذين يمارسونه في نهاية المطاف إلى الدخول في دوامة البحث عن حل لما يؤرقهم من خلال الخرافات ومن ثم فلا محالة أنهم يصابون باضطرابات نفسية خطيرة تنعكس على مسار حياتهم اليومية» يقول دكتور نفساني للجريدة. رجال أمن يستعينون ب«الشواف» حكى لنا «سكرتير» أحد المشعوذين المعروفين في مدينة المضيق أنه حتى بعض رجال الأمن يقومون بزيارة «الفقيه» بخصوص عدد من الملفات والمشاكل التي تعترضهم في حياتهم، ويستدل الكاتب الخاص للدجال بعدة حوادث إجرامية استحال التوصل فيها إلى الجاني، كما أنه منذ شهور قدم عنده أحد رجال الأمن بعد ضياع سلاحه الناري الذي عثر عليه لاحقا داخل دولاب ملابس رضيعه. «لقد كان ذلك بفضل بركة الفقيه»، يحكي سكرتير الدجال بزهو وافتخار. أثناء انتظار دورنا للقاء «الفقيه» خرج من غرفة المشعوذ شخص يعمل سائق سيارة أجرة بمدينة تطوان. وييرر هذا الشخص زيارته ل«الفقيه» بسبب عجزه مؤخرا عن معاشرة زوجته. أمره الفقيه بالتجرد كليا من ثيابه داخل غرفة مظلمة. منحه قنينة ماء وبدأ يصرخ في وجهه بهيستيريا قائلا له: «نشار نشار»، وهي كلمة بدوية تعني «بلل جسدك» بمياه القنينة البلاستيكية. بدأ الشخص في «تنشير» أطراف جسده، قبل أن يمنحه الفقيه سبع بيضات مخطوطا عليها بعض الطلاسم والكتابات غير المفهومة بمداد بني، ليتناول ستا منها دفعة واحدة، على أن يقوم بدفن البيضة السابعة «في قبر منسي»، وبالتالي سيتمكن بعد ذلك من معاشرة زوجته بشكل جيد. كلفت العملية سائق سيارة الأجرة 600 درهم. لكن بعد يومين سيتصل بنا السائق بعدما ناولناه رقم الهاتف، ليعلمنا أنه أصيب بتسمم حاد نتيجة أكل البيضات الست المسلوقة، وأنه سيقدم شكاية إلى الأمن بخصوص ما تعرض له على يد «الفقيه». العلاج من التسمم كلف السائق 800 درهم بين ثمن الأدوية وبعض التحاليل الطبية. إن هذه المعتقدات التي جعلت السائق يتوجه عند دجال لعلاجه هي جزء من البنيات الرمزية للمتخيل الشعبي المغربي، والمترسخة في الأوساط الشعبية التي تستعين بالسحرة والمشعوذين المغاربة لعلاج أمراضها. كما أن أغلب زبناء «دجال» المضيق هم من مدينة سبتة، فالمدينة معروفة بإدمانها على هذا النوع من الممارسات وارتياد المشعوذين والسحرة في كل وقت وحين، كما أنهم لا يبخلون بشيء على المشعوذين نظرا لحالتهم المادية الميسرة. «بعضهم يزور السحرة والمشعوذين بكل من المضيق وقرية خميس أنجرة وحي كويلما من أجل وضع «التقاف» لشحنات المخدرات وبعضهم للزواج، والبعض الآخر ل»الجلب والتهييج»، توضح للجريدة فتاة من مدينة سبتة. من جهة أخرى، يستغل هؤلاء المشعوذون بعض جرائد الرصيف في الترويج لقدراتهم، كما أنهم يوزعون بطائق زيارتهم على سائقي سيارات الأجرة، لتكون صلة الوصل بينهم وبين الزبائن، والتي تهدف إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من المغرر بهم. كما يقدم هؤلاء الأشخاص الذين يشتغلون بترخيص «معنوي» من السلطات، والجهات المسؤولة تحت مسميات أخرى، من قبيل «الطب البديل، أو «طب الأعشاب»، خدمات أخرى تنصب في إطار الشعوذة وأعمال السحر، لتصل حد عمليات إجهاض سرية، مقابل مبالغ مالية كبيرة، ناهيك عن التحرش بزبائنهم من النساء والفتيات، والتي تكون نتائجها في أغلب الأحيان مأساوية مسفرة عن افتضاض للبكارة، أو وقوع حالات حمل غير شرعية. ويؤكد أغلب النسوة من اللائي استطلعت «المساء» آراءهن إيمانهن بتسخير الجن من طرف هؤلاء المشعوذين، كما أبدين استعدادهن لتقديم مستحضرات وقرابين وترديد تراتيل وطلاسيم، لتحقيق أمنياتهن ورغباتهن وعلاج أمراضهن النفسية منها والعضوية، وهي ممارسات وتطبيقات تعتبر خلاصة تطبيقية للمتخيل الشعبي والتمثلات الاجتماعية بخصوص العالم، والتي حسب قولهن «لا تتناقض مع الدين، بل توظفه فقط وتعيد تشكيله من جديد». فعدد كبير من الأوساط تعتبر أن السحر والشعوذة هي جزء من الدين، بل إن تصديقها وتعاطيها هو من صميم المقدس.