وضع المجلس الأعلى للحسابات، من جديد، يده على سلسلة من الاختلالات التي تطبع تسيير عدد من المرافق والمؤسسات العمومية وشبه العمومية، إضافة إلى طريقة صرف المال العام، من خلال التقرير السنوي لسنة 2013، الذي يصدر في ظل النقاش المفتوح حول فعالية تقارير المجلس بسبب عدم تفعيل المحاسبة والمتابعة. التقرير الجديد كشف بالملموس أن مسار الشفافية والحكامة والتدبير الجيد مازال طويلا أمام المغرب، بالنظر إلى حجم الخروقات والاختلالات التي سجلت في العديد من المؤسسات والجماعات الترابية والأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني، علما أن هذا التقرير صدر بعد التغيير السياسي الذي عرفه المغرب بوضع دستور جديد يؤكد على ربط المسؤولية بالمحاسبة. 446 مليون درهم حجم الغرامات المفروضة على شركات التدبير المفوض خلال سنة واحدة بلغ حجم الغرامات المفروضة على شركات التدبير المفوض ما مجموعه 446 مليون درهم خلال سنة 2012. هذا الرقم جاء بناء على نتائج عمليات المراقبة، التي تقوم بها مصالح المجلس الأعلى للحسابات. وكشف التقرير السنوي، الذي أصدرته مؤسسة جطو لسنة 2013، أن الغرامات المفروضة على المفوض لهم تسيير بعض القطاعات تخضع لمسلسل طويل وصعب من المفاوضات، مما يعيق عملية استخلاصها. وأشار التقرير إلى أنه في إطار مراقبة العمليات المفوضة إلى المؤسسات البنكية، قام مكتب الصرف بتتبع التحويلات المتعلقة بالمساعدة التقنية الخارجية المقدمة من طرف بعض الشركات المفوض إليها، وقد أسفرت عمليات المراقبة عن تسجيل مخالفات في المقتضيات القانونية لنظام الصرف. كما أشار التقرير أيضا إلى أن ضعف الموارد البشرية لدى السلطات المفوضة، على المستويين النوعي والعددي، يعيق بشكل كبير عملية التدبير المفوض في جميع مراحلها، بدءا بمرحلة إعداد العقود إلى مرحلتي التتبع والمراقبة. وقد كشفت عمليتا التفاوض وإبرام العقود عن غياب التقنيات المطلوب توفرها لدى السلطات المفوضة إزاء الشركات المفوض إليها، القوية بخبرتها والمهارات المتوفرة لديها. التقرير ذاته أكد على أن السلطات المفوضة لا تحترم عمليا الآجال التعاقدية المتعلقة بالمراجعات والتعديلات على مستوى التعريفة. وانطلاقا من العينة التي اعتمدها التقرير بخصوص شركات التدبير المفوض بالمغرب، فإن ما يقارب 50 بالمائة من العقود لا تتضمن مقتضيات تنص على إحداث لجنة للتتبع يكون من مهامها تذليل الصعوبات الناتجة عن تنفيذ العقود. هذه اللجنة، وحتى في الحالات التي تم التنصيص على إحداثها، لم يتم تفعيلها على أرض الواقع إلا بالنسبة ل14 عقدا، منها 4 عقود تهم قطاع التوزيع و10 عقود تهم قطاع النقل. وخلافا للمقتضيات التعاقدية في مجال التدبير المفوض، فإن الشركات تلجأ إلى سحب الأموال من الحسابات الخاصة دون إذن مسبق من طرف السلطة المفوض. كما تلجأ أطراف العقد أحيانا إلى استعمال هذه الأموال خارج الضوابط المحددة لذلك، كأداء متأخرات المساهمات الخاصة بنظام التقاعد إثر تحويله إلى جهة خارجة عن المؤسسة، أو تغطية مصاريف تسيير المصلحة الدائمة للمراقبة، أو أداء أتعاب مكاتب الاستشارة عن خدماتها لفائدة السلطة المفوضة، أو أداء الديون الضريبية التي كانت في ذمة الوكالات المستقلة السابقة. وخلص التقرير إلى أن عمليات تنفيذ العقود أبانت عن اختلالات ونقائص، خاصة على مستوى الالتزامات المتعلقة بالاستثمارات والتعريفة وجودة الخدمات المقدمة. تسعة مدراء بالعمران يستفيدون من عقارات بالهرهورة ب193 درهما للمتر مربع فضح المجلس الأعلى للحسابات استفادة مسؤولين وموظفين كبار بشركة العمران ومجموعة التهيئة العمران، من عقار بمنطقة الهرهورة الساحلية بثمن بخس لا يتجاوز 193 درهما للمتر المربع، في حين أن الثمن الحقيقي يفوق 12 ألف درهم. ووقف التقرير على أن عملية البيع تمت رغم أن الأراضي غير مجهزة، ويتعلق الأمر ببقعتين أرضيتين، مساحة كل واحدة منهما 8097 مترا مربعا، توجدان بمنطقة سيد العابد بجماعة الهرهورة، التي قفزت فيها أسعار العقار إلى مستويات صاروخية. وكشف التقرير أن العقارين اللذين وجدا الطريق إلى جمعية تتكون من تسعة مسؤولين يشغلون مناصب مدراء بشركة العمران، ومجموعة التهيئة العمران، تم تحديد ثمن اقتنائهما من طرف لجنة مكونة من الرئيس وعضوين بالجمعية، مما يعني أن هذه الأخيرة باعت لنفسها، واختارت الثمن الذي يناسبها من أجل التحكم في عملية بيع يتم تحت إشراف المستفيدين بحكم مناصبهم الوظيفية. ونبه التقرير إلى أن العقارين اللذين تحولا إلى كعكة سهلة لمسؤولين نافذين بالشركة، تم اقتناؤهما سنة 1991 من طرف المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للشمال الغربي بمبلغ 217 مليون سنتيم، بهدف تعزيز مخزونها العقاري، قبل أن تتغير وجهتهما لصالح مدراء الشركة. كما طرح التقرير علامات استفهام حول لجوء شركة العمران لإتمام بيع بقعة أرضية غير مجزأة بنفس المنطقة، تبلغ مساحتها 12 ألفا و900 متر مربع، من خلال عقد بيع أبرم سنة 2005 بمبلغ 280 مليون سنتيم، علما أن نفس الوعاء العقاري تم اقتناؤه في عهد مؤسسة التجهيز والبناء للشمال الغربي، من أجل تكوين الوعاء العقاري لمشروع سيد العابد. ولم تجد إدارة العمران ما تبرر به موقفها من فضيحة بيع أراض غير مجهزة في المنطقة الساحلية الهوهورة، التي تضم عددا من الإقامات الراقية بثمن زهيد جدا لصالح مدراء ومسؤولين بنفس الشركة، سوى الرد على ملاحظات المجلس الأعلى بالقول بأن عملية تفويت القطعتين تندرج في إطار استراتيجية اعتمدتها وزارة السكنى. ورمت إدارة العمران بالكرة في ملعب الوزارة، مضيفة أن هذه الأخيرة "تشجع منح الأراضي للجمعيات والتعاونيات وكذا ولوج الملكية وتحسين ظروف السكن لموظفي وزارة السكنى والمستخدمين تحت وصايتها بشروط تفضيلية"، علما أن التفويت هم مدراء كبار وأقصى الموظفين العاديين. اختلالات ونواقص في التدبير الإداري والمالي للجمعيات كشف التقرير عن وجود اختلالات عدة ونواقص في التدبير الإداري والمالي للجمعيات، ترتبط على وجه الخصوص بصعوبة تتبع استخدام الأموال التي تتلقاها من لدن مختلف الجهات المانحة وغياب إبرام اتفاقيات معها، تحدد بدقة الأهداف المتوخاة من منح تلك الأموال العمومية. ويقر تقرير قضاة جطو بضعف الحصيلة الرقابية المنجزة في هذا المجال، في حين أن الدعم العمومي الممنوح للجمعيات خلال السنوات الأخيرة قد تطور بشكل لافت، كما أن المؤشرات الحالية توحي بتزايده في السنوات المقبلة، وهو ما يستوجب وضع آليات مؤسساتية وقانونية لتحسين مستوى حكامة الجمعيات ومردوديتها. وكان لافتا تسجيل المجلس عدم امتثال معظم السلطات الحكومية لمقتضيات منشور رئيس الحكومة، القاضي بموافاة المجلس الأعلى للحسابات بقوائم كاملة للجمعيات المستفيدة من الإعانات وقيمتها والاتفاقيات المبرمة معها، وكذا عدم إبراز الدعم الممنوح حسب القطاعات والمؤسسات والهيئات العمومية الخاضعة لوصاية السلطات المعنية، وعدم تضمين بعض القوائم بيانات كافية، سواء من حيث حجم الدعم أو عنوان الجمعية المستفيدة أو السنة المالية. وبناء على الملاحظات المسجلة في هذا الشأن، ومن أجل التطبيق السليم لأحكام النصوص التشريعية والتنظيمية المنظمة للعمل الجمعوي، أوصى المجلس الأعلى للحسابات السلطات الحكومية، بموافاته بقوائم الجمعيات المستفيدة من إعاناتها برسم السنوات الخمس الأخيرة ومبلغ الدعم الممنوح، وإشعاره حينا بكل التعديلات التي تطرأ عليها، فيما أوصى الجمعيات المعنية بوجوب التقيد بمبدأ تقديم حساباتها المتعلقة باستخدام الأموال والمساعدات العمومية التي تتلقاها. 11 حزبا سياسيا تهربت من تقديم حسابات مالية مشهود بصحتها أكد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، في شقه المتعلق بمراقبة حسابات الأحزاب السياسية، أن 34 حزبا من أصل 35 قدمت حساباتها السنوية. وقام المجلس بتوجيه عدد من الملاحظات للمسؤولين الوصيين على الأحزاب بعد فحص هده الحسابات، بعد أن رصد أن عددا من الأحزاب لم تقم بإرجاع بعض مبالغ الدعم العمومي إلى الخزينة العامة للمملكة، وهي المبالغ التي استفادت منها كمساهمة من الدولة في تمويل حملاتها الانتخابية خلال استحقاقات 2009 و2011. وسجل المجلس أن عددا من الأحزاب لم تقدم حساباتها السنوية، واكتفت بتقديم بيانات ووثائق تتعلق بتحصيل الموارد وصرف النفقات، وسجل أن 15 حزبا فقط قدمت حسابات مشهود بصحتها من طرف خبير محاسباتي مقيد في هيئة المحاسبين، منها 12 حسابا مشهود بصحتها بدون تحفظ، بينما قدمت ثلاثة أحزاب فقط حسابات مشهود بصحتها بتحفظ. ولجأت سبعة أحزاب لتقديم تقارير خبراء محاسباتيين لم تتضمن صيغة الإشهاد بصحة الحسابات، فيما عمد 11 حزبا إلى الاستعانة بحسابات دون تقديم تقرير خبير محاسباتي. وكشف تقرير المجلس الأعلى أن نفقات الأحزاب السياسية، برسم سنة 2012، بلغت 192 مليون درهم، تم تبرير صرف 176 مليون درهم منها بوثائق مثبتة، في حين بلغ مجموع النفقات التي كانت موضوع ملاحظة المجلس 16 مليون درهم، معظمها عبارة عن تحويلات لفائدة الهياكل المحلية، دون تقديم وثائق الصرف، إضافة إلى نفقات لم تستطع الأحزاب دعمها بالوثائق، إلى جانب نفقات حاولت بعض الأحزاب تبريرها من خلال مستندات إثبات غير كافية. المقاصة..عبء ثقيل لن يحله نظام المقايسة كشف تقرير المجلس أن نظام المقايسة لبعض المواد البترولية السائلة، الذي تم إقراره في شتنبر 2013 من قبل حكومة عبد الإله بنكيران، وإن كان من مزاياه التحكم في تكاليف المقاصة بالنسبة للاعتمادات المسجلة في قانون المالية، إلا أنه لا يعمل على إيجاد الحلول لإشكالية أعباء المقاصة، بل قد يسهم في استدامة الطابع البنيوي لهذه الأعباء. ويرى التقرير أنه باستثناء الإصلاحات الهيكلية، ليس هناك من خفض مبالغ المقاصة إلى مستوى يمكن تحمله بواسطة المالية العامة، معتبرا أن هناك حاجة ماسة لإصلاح يستهدف إعادة تأطير نظام المقاصة وفقا لمنطق العقلانية الاقتصادية والاستهداف الاجتماعي للفئات المعوزة. ويبدو لافتا من خلال التقرير تأكيده على أن حكامة منظومة المقاصة تتسم بالتجزئة والانغلاق، إذ تعمل القطاعات الوزارية والهيئات المعنية بتدبير المقاصة على التنسيق بشكل كاف على مستوى المهام والمبادرات المتخذة، حيث يعمل كل طرف في حدود اختصاصاته، الأمر الذي لا يوفر الظروف الكفيلة بإحداث التكامل الذي يساعد على تقنين وتدبير هذه المنظومة. يوصي المجلس بالنسبة للمنتجات البترولية بإعادة النظر في التموين في اتجاه حرص أكبر من طرف السلطات العمومية على جعل الشركات البترولية تعمل على ترشيد اقتناءاتها، مع ضمان التموين المنتظم للسوق، وذلك بالرفع من قدرات الاستقبال بالموانئ والزيادة في قدرات التخزين، وكذا برمجة إنجاز بنيات تحتية ملائمة، لاسيما الموانئ المؤهلة لاستقبال البواخر ذات الطاقة الاستيعابية الكبيرة، والشروع في بناء موانئ للغاز الطبيعي والتجهيزات المرتبطة بذلك. ومن التوصيات الصادرة عن المجلس، دراسة إمكانية اقتصار دعم غاز البوطان على الحصص المخصصة للأسر، فيما يمكن بالنسبة للقطاع الفلاحي برمجة آليات للدعم تشجع بشكل خاص استعمال التجهيزات التي تستخدم الطاقة الشمسية. وإلى جانب ذلك، يوصي التقرير بإنهاء الدعم الحالي المخصص للفيول المستعمل من طرف المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، وباتخاذ تدابير مواكبة في إطار سياسة إرادية للدولة تهدف إلى تشجيع الحلول القائمة على الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية، خصوصا بالنسبة للقطاع الفلاحي وللمنازل والإدارات العمومية، علما أن أثر هذه التدابير سيظل محدودا طالما بقيت أسعار الكيلواط -ساعة في مستويات منخفضة جدا بالمقارنة مع كلفة الإنتاج. جطو يفضح قطاعات يتهرب مسؤولوها من التصريح بممتلكاتهم كشف المجلس الأعلى للحسابات في تقريره السنوي لسنة 2013 عن لائحة القطاعات والمؤسسات التي يتهرب مسؤولوها من تجديد التصريح بممتلكاتهم، حيث حلت شركة العمران على رأس القائمة بعدم تقديم أي تصريح، إلى جانب المكتب الوطني للموانئ. وجاءت وزارة التعليم العالي في المرتبة الثانية ب8 في المائة، متبوعة بقطاع الصحة ب9 في المائة، ثم وزارة الخارجية التي اكتفى 9 في المائة من الملزمين فيها بكشف ممتلكاتهم ضمن تصريح جديد. وسجلت وزارة التجهيز بدورها نسبة متدينة استقرت في 15 في المائة، فيما كانت النسبة في وزارة الاتصال 16 في المائة. وجاءت وزارة الداخلية على رأس القطاعات التي احتلت رتبة مهمة ضمن أعلى نسب تجديد التصريحات ب85 في المائة، فيما بلغت النسبة في المكتب الوطني للكهرباء 100 في المائة، متبوعا ببنك المغرب ب89 في المائة. ووقف التقرير على أن 3821 ملزما من أصل 11 ألفا التزموا بتجديد تصريحاتهم، وهو ما دفع المجلس إلى تبليغ قائمة بأسماء الموظفين والأعوان العموميين الذين تهربوا من هذا الإجراءات إلى السلطات. في نفس السياق، كشف التقرير أن جميع الوزراء صرحوا بممتلكاتهم، في حين لم يتوصل المجلس بقائمة الشخصيات المماثلة لأعضاء الحكومة، رغم عدة مراسلات وجهت في الموضوع إلى الأمين العام للحكومة. وتضمن التقرير عدة توصيات من أجل منح دينامية لعملية مراقبة دقة التصريحات بالممتلكات ومدى صحتها، من خلال الاقتصار على المسؤولين السياسيين والعموميين، كأعضاء الحكومة والبرلمانيين والقضاة والموظفين الكبار والرؤساء المنتخبين للجماعات الترابية الكبيرة والمتوسطة ومسؤولي المؤسسات والشركات العمومية الوازنة اقتصاديا، للانتقال من 100 ألف ملزم حاليا إلى 7000 أو 8000 ملزم كباقي الدول التي عرفت نجاحا في هذا الميدان. كما دعا التقرير إلى تبسيط إجراءات التدقيق والمراقبة مع ضمان حقوق الملزمين من حيث حفظ المعطيات الشخصية والخاصة، وكذا قرينة البراءة، وإدخال عقوبة ردعية لعدم التصريح أو التصريح غير الكامل أو غير الصحيح.