بكت نائبة رئيس الاتحاد الفرنسي للملاكمة وعضو الاتحاد الدولي لنفس الرياضة، حين شاهدت مباراة استعراضية بين الشابتين المعاقتين كريمة وزهيرة بمدينة سلا. وشدت على أيدي مؤطرين يمزجون الرياضة بالعمل الاجتماعي، في ظل تعتيم إعلامي وتهميش من أصحاب القرار. يحتضن النادي البلدي بمدينة المحمدية فرع الملاكمة مجموعة من الأطفال والفتيات في وضعية صعبة، متشردون و معاقون حركيا وذهنيا وضحايا انحرافات الشوارع... الذين استطاعوا تحدي الإعاقة والفقر والتشرد وحصد الألقاب، ووجدوا في أعنف رياضة سبيلا لتفريغ كل مشاكلهم وتحدي إعاقاتهم الذهنية والعضوية. منهم من حل بالنادي بتوصية من أب أو صديق، وكثيرون تم جلبهم من طرف نبيل منيام المدير الفني للفرع والمدرب المشرف على هذه الفئات، صادفهم أثناء أدائه لمهامه كشرطي بالقطار، يتسولون أو يجوبون عربات القطار. قال منيام إنه أسس رفقة طاقم من الشبان بمدينة الزهور فرعا للملاكمة خاص بتدريب المعاقين والمشردين، وأن الأطر الإدارية والتقنية داخل النادي تلقى دعما كبيرا من الأبطال أبناء النادي في إشارة، إلى محمد العرجاوي وبدر الحديوي اللذين يواظبان على الاحتكاك بهذه الفئات، وأن المغرب هو البلد الوحيد في العالم الذي يؤي ملاكمين معاقين، وطالب بضرورة إحداث دوري في الملاكمة الخاصة بالملاكمين المعاقين والملاكمة الاستعراضية التي برع فيها العديد من أبطال النادي. وأصر على بعث رسالته عبر «المساء» اللجنتين الأولمبيتين لرياضة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة محليا ودوليا من أجل إحداث مسابقة لهذه الفئة في رياضة الملاكمة. وأوضح منيام أن الممارسة الفعلية لهذه الفئة انطلقت بعد ولوج أول طفل معاق حركيا، وهو عادل بوزميمير إلى مقر النادي بعالية المحمدية، كان حينها في سن الخامسة عشرة يعاني من إعاقتين في اليد والرجل، اقتحم بوزميمر قاعة التدريب، وأفصح عن نيته في ممارسة رياضة الملاكمة. ولوج بوزميمير عالم الملاكمة وحبه لها إلى حد أنه أصبح يؤدي لقطات استعراضية في رياضة الملاكمة في أكبر المحافل الرياضية بالمغرب، كان أكبر حافز لولوج معاقين ومعاقات جدد عالم الملاكمة أبرزهم الشابتين كريمة وزهيرة. عزيمة كريمة وزهيرة وعادل وغيرهم كثيرون... جعلت منيام يفكر في استقطاب المزيد من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة لممارسة رياضة الملاكمة، لينفرد النادي بهذا التوجه الإنساني والاجتماعي. ماكس الفرنسي المعاق الذي أحب الملاكمة قالت ناتاليا أم الشاب ماكس المعاق ذهنيا والذي كتب له أن يكون ضمن فئة المعاقين ذهنيا وحركيا المنخرطين بنادي الملاكمة، إن ما حصل من تغيير لابنها البالغ من العمر 18 سنة، وفي غضون سنة واحدة، لجدير بالذكر والتنويه، وأن ابنها الذي كان يعاني ببلده فرنسا من العزلة والاكتئاب وكان حبيس المنزل، أصبح شابا مرحا يحب الحديث والتسلية وأصبح له أصدقاء داخل النادي يحبهم ويتألم لفراقهم. وأضافت الفرنسية التي استقرت منذ سنتين رفقة زوجها بمدينة المحمدية أن القدر شاء أن يضيع الظرف الذي يحوي كل وثائق ابنها الطبية داخل إحدى عربات القطار، وأن يتم العثور على الظرف بعد ساعتين من فقدانه بفضل مسؤولي المحطة بالمحمدية الذين ما إن حدثتهم عن محتوى الظرف وعن ابنها المعاق ذهنيا حتى نصحوها بالاتصال بنبيل منيام شرطي القطار والمدرب التقني لفرع الملاكمة داخل النادي البلدي بالمحمدية. وأنه الوحيد الذي بإمكانه مساعدتها على تربية ابنها الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة. سالم كان مريضا ذهنيا فأصبح مشرفا على دكان داخل الفرع هناك أطفال تغير سلوكهم كليا وتغيرت نظرتهم إلى المجتمع وتعاملهم مع محيطهم. منهم من تعافى من الاضطرابات النفسية ولم يعد عنيفا ولا بليدا يخشى عليه من الخروج وحيدا خارج منزله. ذكر منيام بالشاب عادل بوزميمير ابن 28 سنة والذي يعاني من إعاقة في الرجل اليمنى واليد اليمنى، وقال منيام: هو أول حالة ولجت الفرع، طرق أبواب عدة أندية رياضية لكنه جوبه بالرفض نظرا لأنه معاق حركيا. طرق باب فرع الملاكمة فقبلنا به منخرطا وممارسا وبدأ تداريبه دون أدنى نقص. تدرب بالمجان وأصبح بطلا يؤدي مباريات استعراضية في الملاكمة. كما ذكر بالطفل سالم ابن ال 24 سنة، والذي كان فاقدا للنطق منغلقا على نفسه، ومريضا ذهنيا، ولج عالم الملاكمة وتدرب لعدة أشهر كانت كافية لتغيير سلوكه وشفائه، أكثر من هذا فسالم الذي بدأ يذهب وحده إلى مدينة الدارالبيضاء لشراء السلع عثر يوما داخل حافلة بالحي المحمدي على صديق له داخل النادي تائها، فأعاده إلى منزله بالمحمدية، وكان صديقه مولعا بحضور مباريات الوداد البيضاوي. كريمة وزهيرة تحديا الإعاقة والفقر كسرت كريمة ناصيف وصديقتها زهيرة اخديم جدار الخوف الذي ظل يعتري النساء وهن يشاهدن قلة من الرجال يتعاركون فوق حلبة مطاطية باسم الرياضة الأشد عنفا بين الرياضات، أزحن غطاء الأنوثة الضعيفة وسماحة الجنس اللطيف، تحدين الفقر والإعاقة وعزمن على خوض غمار أعنف الرياضات التي ظلت وعلى مدى عقود حكرا على الرجال. رفعن شعار القوة عزيمة والضعف يأس وإحباط، وقررن قيادة قافلة النساء ضد الرجال لتحرير المرأة من قيود الضعف والاستسلام للجنس الآخر. وتعاني زهيرة التي درست حتى مستوى الثالثة إعدادي، وانقطعت عن الدراسة سنة 2003 لأسباب صحية واجتماعية، من إعاقة حركية في رجلها اليسرى تمنعها من الوقوف بثبات والسير العادي. وهي الآن تشرف على كشك هاتفي بمدينة بوزنيقة.